الكاتبة منال ربيعي
أنا لستُ لغزًا كما يظنُّ البعض، ولا طلسمًا يحتاجُ إلى فكِّ رموزه، أنا كتابٌ مفتوحٌ على الطاولة، تقرؤه القلوب قبل العيون. لكنَّي تعلّمتُ من الحياةِ أنَّ صفحاته البيضاء قد تُداس إذا تُركت بلا حارس، فوضعتُ حولي أسوارًا من الصمت لا من الغموض. أنا كالنيلِ حين ينسابُ في الليل الطويل، سهلُ الاقتراب، عذبُ المذاق، لكنَّه يزدادُ عُمقًا كلّما سار معه السائرون، لا يكشفُ أسراره إلا لمن يحسُّ بالماء وهو يتكلّم.
أحملُ في قلبي سكينةَ الطمي بعد الفيضان، وفي أنفاسي رائحةَ البذور حين تنتظرُ المطر. أحبُّ البساطة، أفتحُ أبوابي للطيّبين بلا حساب، وأغلقُها بهدوء في وجهِ من يحاولُ العبثَ بروحي. إنّ راحتي ليستْ ثوبًا يُعار، بل موطنٌ نادرٌ أعيشُه مع من يلمسُ جوهرَ روحي بصدقٍ، ومع من يفهمُ أنَّ الكلمةَ الحانية قد تفتحُ في داخلي حدائقَ من الضوء والسكينة.
القليلون هؤلاء أعرفُهم كما تعرفُ الطيورُ أوطانها في الهجرة، أستكينُ إليهم كما يستكينُ الطفلُ لصدر أمّه، وأهبُهم وجهي الحقيقي بلا أقنعة. لهذا قد أبدو بعيدةً أحيانًا، أو غامضةً أحيانًا أخرى، لكنّني في الحقيقة واضحةٌ كالماء، شفافةٌ كالسماء بعد المطر. وحين أجدُ ذلك القلب، تتبدّدُ كلُّ جدراني، وأُطلُّ على الحياةِ بلا خوف، فيصبحُ حضوره أمانًا وسلامًا ومأوىً حقيقيًا لروحي الباحثة عن الصفاء.
