الكاتب محمود عبد الله
إذا أراد أحدنا الذهاب في رحلة، أعد لها الكثير من الزاد، ويحضر الراحلة،
فيتزود بما يجعله يسير في رحلته واثقًا قويًا، لا يحتاج شيئًا من أحد.
والرحلات أنواع، ولكل نوع زاد مختلف؛ فالرحلات الترفيهية تحتاج من يجعل الترفيه سهلًا،
ورحلات العلاج تحتاج مؤن معينة وزاد مختلف، ولكل رحلة تفاصيل مختلفة،
ولكل رحلة راحلة مختلفة أيضًا.
فرحلة داخل مدينتك ليست كرحلة خارجها، وليست كرحلة خارج دولتك،
وهكذا تختلف الراحلة باختلاف الرحلة.
ولكن، هل تعلم أن هناك رحلة يسير فيها جميع خلق الله سبحانه وتعالى؟
إلا وهي رحلتك إلى الله.
فالجميع، من يوم أن يولد، تبدأ رحلته.
مع كل نفس، وكل يوم، تمضي سيرًا بنفسك إلى الوقوف أمام الله.
وسيرك في الدنيا محكوم بما تقوم به كل يوم.
ولكل رحلة دليل، لابد أن يكون لديك لتكون رحلتك جيدة.
فدليل رحلة الصحراء ليخبرك كيف تسير حتى لا تهلك،
ودليل في مدينة ليخبرك أي الناس تزور، وأي الأماكن أفضل، وأي الفنادق تكون مميزة.
والله أعطاك دليلك في رحلتك إليه.
أعطاك منهجًا، إن اتبعته، كانت رحلتك تسير في الاتجاه الصحيح.
أعطاك القرآن الكريم، ومعه السنة النبوية الشريفة، لتشرح لك ما قد لا تستطيع فهمه من كلام الله تعالى.
وقدم إليك إرشادات الرحلة، فتجد فيه كيف تتاجر، وكيف تبيع، وكيف تعمل، وكيف تتزوج،
وكيف تعامل أبناءك، وكيف تعبده حق عبادته.
وأعطاك الاستعاذة من الشيطان، لتتقوى بها على الوساوس التي تأتيك لتجعلك تنحرف عن الطريق الصحيح.
لا شك أن جميع الإرشادات قد أعطاها الله لك، وأنت مخير بين أن تسير وفق هذه الإرشادات أو لا تتبعها،
وذلك محكوم بأفعالك خلال حياتك.
القرآن ليس للتلاوة والترتيل، إنما هو للفهم والعمل به.
وقد قال الفضيل بن عياض:
“أُنزل القرآن للعمل به، فجعل الناس تلاوته هو العمل به، وهذا خطأ.”
قالوا: وما الصحيح يا أبا علي؟
قال: “القراءة والترتيل تكون من أجل الوصول إلى خمس:
١- إحلال حلاله،
٢- وتحريم حرامه،
٣- واتباع أوامره،
٤- والانتهاء عن نواهيه،
٥- والوقوف عند عجائبه.”
فهذا المنهج القويم هو تصحيح مسارك.
فأنت، قبل أن تقف أمام الله، لابد أن تمر على الصراط.
فإن كنت سرت على المنهج الرباني، مضيت على الصراط مستقيمًا،
وإن أعوججت عنه، أعوججت على الصراط،
وإذا سقطت من الإرشادات، هويت في النار قبل أن تقف أمام الله.
ولكل رحلة زاد وراحلة، وزاد رحلتك إلى الله هو الحسنات،
وراحلتك هي نفسك، تحملك إما إلى الحق أو تحملك إلى الباطل.
أكثر من زادك، واضبط راحلتك، تكون رحلتك سهلة هينة، لا شقاء فيها،
إلى نعيم مقيم، ودخول في رحمة الله،
وصحبة من أفضل ما تكون: صديقين، أنبياء، شهداء، صالحين، وحسن أولئك صحبة.
الرحلة الحقيقية هي رحلتك إلى الله.
اتبع دليلك، وأكثر من زادك، وقوّم نفسك،
تصل إلى الله راضيًا مرضيًا،
وتتمتع بوصولك في النهاية إلى النعيم المقيم.