الكاتبة سارة أسامة النجار
تواعدتُ مع طفلة في الرابعة من عمرها، وافترشنا الرمل بساطًا من الأحلام، وتهامسنا عن ذكرياتٍ لم تُكتب بعد. كانت “آمنة” تضحك بخجل، لكنني اكتشفت أن نصف عمرها ضاع بين مطاردة الماء، والاحتماء بالتكيات، والاختباء خلف خيامٍ بالية، أما النصف الآخر فقد غرق في غياهب البراءة المسلوبة.
الصدمة لم تكن في حديثها، بل في صمتها. “آمنة” طفلة بلا طفولة، لا تملك صندوق ذكريات تخبئه لأطفال الغد، لأنها ببساطة لا تؤمن بوجود غدٍ أصلًا. الغد بالنسبة لها أسطورة، بينما تودّع أقرانها شهداء، إما بسبب القصف أو الجوع.
حاولت أن أعلّمها شيئًا من أبجديات الحياة، وعندما نجحت في ذلك، وعدتها بهدية: “باربي”. لم تبتسم، لم تتفاعل، فقط قالت: “بدي لعبة”. أخبرتها أنني سأجلب لها “باربي” تشبه سندريلا أو فلة، فحدّقت بي وسألت ببراءة موجعة:
“شو يعني باربي؟ مين سندريلا؟ معلمة جديدة؟”
تجمّدت الكلمات في فمي، وبدأت أشرح لها عن مكونات طفولتي، عن ألعابٍ كانت تسكن غرفتي، وعن رسومٍ متحركة كانت تملأ صباحاتي. كانت تنظر إليّ بشفقة، كأنني عجوز تهذي بخرافات لا وجود لها. لم تعرف اللعب، لم تعرف الفرح، لم تعرف حتى معنى أن تكون طفلة.
طفولة “آمنة” لم تأمن من ضراوة الحرب، مثل عشرات آلاف الأطفال في قطاع غزة الذين يعيشون طفولة مؤجلة، معلّقة في فراغٍ لا يعرف النهاية.