...
Img 20250924 wa0281

الكاتبة منال ربيعي

 

عالقون في هاويةٍ لا تُرى لها قاع، كأنّنا أرواحٌ خرجت من كتبٍ قديمة تبحث عن موطنها الأول. كلّ خطوةٍ في هذا الظلام أشبه بطقسٍ صوفيٍّ غامض، يختبرُ فينا معنى الصبر ومعنى التجرّد. نحن أبناءُ العبور، نقيم على التخوم بين الأرض والسماء، بين جسدٍ يحنّ إلى الانطلاق وروحٍ تخاف أن تفقد آخر ما بقي لها من دفء.

الهاوية ليست حجارةً وظلالًا فحسب، بل هي مرآةٌ عميقة تعكس فينا أسرارنا الدفينة، وتُري قلوبنا صورًا من حياتها السابقة، كأنّنا في حضرة مَلَكٍ قديم يكتب أسمائنا في كتاب النور. في هذا التيه، نصير غرباء عن العالم وغرباء عن أنفسنا، نسمع أنينَ صمتنا كأنّه ترتيلٌ قديم، ونشعر بألمنا كأنّه سُلّمٌ إلى فهمٍ آخر.

الحيرة صارت بيتًا نلوذ إليه كما يلجأ الدراويش إلى أضرحة الأولياء، والألم صار رفيقًا يعلّمنا أن نقيم في العتمة بلا خوف. ومع ذلك، وسط الخراب، تظلّ هناك شعلةٌ صغيرة، ليست مجرّد أمل بل ذكرى من النور الأول، تذكّرنا بأنّ من ذاق الهاوية قد ذاق سرّ الحياة، وأنّ من عبر الظلام يعرف أن النور يولد من قلبه. هكذا، رغم الانكسار، نحمل في أعماقنا بذرةَ القيامة، ونواصل السير في رحلةٍ لا تنتهي إلا باللقاء مع ذواتنا في أفقٍ أوسع من كلّ هاوية.

Loading

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *