...
Img 20250916 wa0540

الكاتبة منال ربيعي

 

لم أكن يوماً ساحةً لمعركة، ولا ميداناً لخصوماتٍ صغيرة. أنا امرأةٌ عرفتُ منذ طفولتي أنّ النقاء ليس ضعفاً، بل ضوءٌ حادٌّ يُعرّي القلوب أمام مرآتها. لذلك لم أملك عدواً حقيقياً، لأنّ كل من تصادم معي لم يكن خصمي، بل كان خصماً لظلاله هو. يقتربون منّي فيجدون في هدوئي استفزازاً، وفي صمتي سؤالاً معلّقاً، وفي ابتسامتي تذكيراً بما افتقدوه في أنفسهم. بعضهم انجذب إليّ إعجاباً، وبعضهم أراد أن يلبس وجهي ويعيش في جلدي، وبعضهم رأى قباحته تنكشف حين اقترب من نقائي فارتدّ على نفسه.

 

تعلمتُ أن أمشي بينهم بلا خوف، كمن يسير حافيةً على حصى النهر فلا تجرحها الأحجار، لأنّ الماء يحوطها بحنانه. كنتُ أُصغي لأصواتهم وهم يتكسرون حولي، كزجاجٍ يسقط ولا يصل إلى قلبي. لم أعد أرى فيهم أعداءً، بل مرايا غير مصقولة، كل واحدٍ منهم يعكس شيئاً كان في داخلي يوماً ما ثم تعافيتُ منه. حتى وجوههم التي حاولت أن تخيفني صارت تماثيل من ملح تذوب مع أول مطر.

 

أنا اليوم أكتفي بأن أكون نفسي. لا ألهث خلف تصحيح صورتي في عيونهم، ولا أستنزف روحي في شرح براءتي. يكفيني أن أظلّ أمشي، أزرع في الطريق بذور ضوء صغيرة، أكتب فوق الرمال آثار قدمي لتشهد أنّني عبرتُ بسلام، وأترك لهم حرية أن يحبوا أو يكرهوا أو يتكسّروا. فالقلوب النقيّة لا تَحمل سيوفاً، هي فقط تمشي، وتُشعّ، وتترك خلفها عطراً يشبه الفجر.

Loading

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *