الكاتبة: منال ربيعي
الروح في طريقها إلى الله كطفلٍ يبحث عن نسبه؛ كل مقام تدخله يصبح أبًا وأمًّا جديدين لها. لا تُكتب هذه الأنساب في السجلات، بل في صفاء السريرة وفي العمل الصادق؛ هي ولادةٌ متكررة في أحوال مختلفة، يخرج منها القلب كل مرة أنقى وأقوى.
مقام المحبّة: مولد القلب
في هذا المقام يولد القلب كطفلٍ نقيّ لا يخاف ولا يحمل ضغينة. رابعة العدوية مثال حيّ: أحبّت الله حبًّا مجرّدًا حتى صار قلبها بحرًا يسع الجميع، كانت تدعو لمن أساء إليها وتبكي لهم لا عليهم. وفي حياتنا اليوم نرى الشابة التي تعفو عن صديقة أساءت إليها وتدعو لها بالخير؛ هي بذلك تنتسب من حيث لا تدري إلى مقام المحبّة.
سلوك يومي يقودك إليه: خصّص وقتًا كل يوم لدعاء الخير لمن أساء إليك أو لمن لا تعرفهم، ليصبح قلبك واسعًا.
مقام الصدق: فتوّة الروح
فيه يقف القلب كفتى صلبٍ يواجه نفسه قبل أن يواجه الناس. أبو الحسن الشاذلي كان يلقّن مريديه أن،؛ الصدق أصل الطريق،؛
حتى أنبت فيهم الثبات والنور. وفي الحياة اليومية ترى العامل البسيط يعيد مالًا وجده لصاحبه رغم حاجته؛ هذا الفعل الصغير ينسبه إلى مقام الصدق.
سلوك يومي يقودك إليه: راقب كلمة تقولها أو عملًا تقوم به، واسأل نفسك قبل أن تفعله: هل هو حقّ أم تزيين؟
مقام الزهد: حرّية الداخل
هنا يغدو القلب شيخًا حُرًّا، لا يملكه سوى الله. إبراهيم بن أدهم تخلّى عن ملكه لينتسب إلى هذا المقام، فصار غنيًّا بالرضا، حرًّا من أسر الذهب والعرش. وفي زماننا نجد من يتنازل عن فرصة ربحٍ كبير مشبوه ليحفظ قلبه من التعلّق بالحرام؛ هو بذلك ينتسب إلى نسب الزهد.
سلوك يومي يقودك إليه: جَرّب أن تستغني يومًا عن شيء تحبّه من الكماليات، وأن تُعطيه لمن يحتاجه.
الشجرة النورانية
هذه المقامات ليست مراحل منفصلة، بل أغصان شجرة واحدة؛ كلما سلكتَ مقامًا نما فيك خلقٌ جديد. ومع المداومة تصبح روحك نسبًا حيًّا للمحبّة والصدق والزهد جميعًا، وتغدو شجرةً نورانية جذورها في الأرض وأغصانها في السماء، يستظلّ بها المتعبون ويشرب منها الظامئون. عندها يصبح الإنسان ابنًا للنور نفسه، يحمل إرث الأولياء في حياته اليومية حتى ولو لم يسمّها مقامات.