الكاتب اليمني محمد طاهر سيَّار الخميسي
التّواصل الاجتماعيّ يحتوي على كلّ أنواع وأشكال وأصناف من النّاس، من كلّ جنس وطبقة، ومن كلّ لون: عربٌ وعجمٌ، مسلمون وغير مسلمين، متعلّمون وغير متعلّمين، مثقفون وغير مثقفين، تجّار وفقراء، إعلاميون وصحفيون، كتّاب وشعراء، طلاب وأساتذة، أطباء ومهندسون، وبناؤون ومنتجون، ومسوقون وموظّفون، ضباط وعسكريون، وشيوخ علمٍ وحفّاظ، وفاعلو خيرٍ ومتسوّلون ومحتاجون، يمثلون تنوّعًا ثقافيًا واجتماعيًا هائلًا.
ويُوجد أيضًا نصّابون ومحتالون وبذئون وسافلون ومنحطّون، تربّوا على الفسق والرّذيلة، ولصوص من أبناء اللّيل، ومن أبناء عبّاد الزّنى.
وفيه البنات العاهرات اللّواتي لا يمكن أن يكون لهنّ شرفٌ ولا دينٌ، وشبابٌ متشبّهون بالنساء، وليسوا نساءً ولا رجالًا، هم أشباهٌ للرجال والنّساء معًا، يثيرون الكثير من الجدل والتساؤلات حول الهوية والانتماء.
وفي المقابل، يوجد شبابٌ بهم تفخر الأمة العربية والإسلامية، تربّوا على الدّين والعلم، وحوّلوا منصّات التواصل الاجتماعي إلى منابر دعوة إلى الصلاح والهداية، وجعلوا من منصّاتهم مدرسةً فيها نفعٌ للأجيال، ومدارس تُدار عن بُعد لتعليم الأساسي أو الجامعي في كلّ المجالات، ممّا يُسهم في نشر العلم والمعرفة.
وفيه بناتٌ عفيفاتٌ لا يُغرّهنّ التّواصل الاجتماعيّ عن مبدئهنّ وشرفهنّ الّذي تربّين عليه من الدّين: معلّماتٌ ومدرّساتٌ ومربّياتٌ ومدرّباتٌ على العلم، وعلى تلاوة القرآن الكريم، جعلن من منصّاتهنّ قدوةً حسنةً، كما أنها مدرسةٌ كاملةٌ ومتكاملةٌ فيها كلّ العلوم والمنافع، يُقدّمن نموذجًا رائعًا للمرأة المسلمة المتعلّمة.
واللبيب أحقّ أن يستخدم جهازه فيما ينفعه في الدنيا والآخرة، معه يُنمّي مواهبه، ويُطوّر من أسلوبه، ويتعلّم التنمية الذاتية والبشرية، حتّى يصبح ذا شأنٍ عظيمٍ، وحتّى يكسب الشهرة بنفع نفسه والآخرين، لا بكسب الشهرة ويخسر الآخرين، ويسقط من قيمته على حساب شهرته التي اشتهر بها.
فالاستخدام الحكيم للتكنولوجيا يمكن أن يفتح أبوابًا جديدةً للنجاح.
والأهمّ أن يكون لديك قيمٌ قبل أن تصبح مشهورًا، فالقيم والأخلاق هي أساس النجاح الحقيقي.
وللأسف، أكثر روّاد التواصل الاجتماعيّ المشاهير من الطبقات الدنيئة التي تبثّ كلّ أنواع الرذائل التي تهدم العقول، وتُسيطر على أصحاب العقول الضعيفة، حتّى يصبح عندهم شيءٌ عاديٌّ مع الاستمرار، ممّا يُؤدّي إلى انتشار القيم السلبية.
ولكن حينما يتعوّد المرء على شيءٍ فيه منفعةٌ باستمرار، ستُؤثّر به حتّى يصبح عقله متزنًا، لا يُغرّه ميولٌ ولا لذّةٌ من لذّات حياة اللهو واللعب.
فالاستمرار في التعلّم والتحسين يمكن أن يُغيّر حياة الفرد بشكلٍ إيجابي.
التّواصل الاجتماعيّ هو جزءٌ من حياة الإنسان اليومية، كلّ شخصٍ يعيش فيه روتينه الخاصّ، ويسعى لتحقيق هدفه، فهو أداةٌ يمكن استخدامها بطرقٍ متعددة.
ليس كلّ من يستخدم التّواصل الاجتماعيّ غايته العلم، بل لكلّ شخصٍ غايته وهدفه، فمنهم من يستخدمه للتّعلّم والثّقافة، ومنهم من يستخدمه للتّسلية والتّرفيه، ممّا يجعله وسيلةً متعددة الاستخدامات.
حقًّا، هو ساحةٌ واسعةٌ ومتنوّعةٌ، تُوفّر فرصًا لا حصر لها للتواصل والتفاعل.
لا تحكموا على كلّ من أمسك هاتفًا دون أن تعرفوا ما يفعل به، فقد يكون استخدامه إيجابيًا أو سلبيًا.
قبل أن تحكموا، تحدّثوا معه، وراقبوا ما يستخدمه من منصّات التّواصل الاجتماعيّ، وانظروا إلى أيّ شريحةٍ ينتمي، ومن هم أصدقاؤه ومتابعوه، ومن هم قدواته من المشاهير، فالفهم العميق ضروري لتقييم أيّ شخص.
ستجدون أنّ البعض يتأثّر بمشاهير التّافهات، حتّى يصبح تافهًا في حياته الافتراضية، وحياته اليومية في واقعه الملموس، بينما يتأثّر البعض الآخر بشخصياتٍ ناجحة.
قد يحبّ البعض الكتّاب، ويتعلّم منهم حتّى يصبح كاتبًا، أو يحبّ الشّعراء حتّى يصبح شاعرًا، أو يحبّ الإنشاد حتّى يصبح منشدًا، أو يحبّ التّلاوة حتّى يصبح قارئًا، فالاهتمامات المختلفة يمكن أن تُؤدّي إلى تنمية مهاراتٍ متنوعة.
وكلٌّ له ما يحبّ أن يكون، على حبّ هويّته ومواهبه.
إن كانت موهبةً في الذّكاء، يصبح ذكيًّا، وإن كان في الرّسم، يصبح رسّامًا، أو يحبّ الطّبخ حتّى يصبح طبّاخًا، فالتنوّع في المواهب والاهتمامات يُثري الحياة الشخصية.
وهكذا، كلّ من يتعلّم من التّواصل الاجتماعيّ، أو يحبّ الرّذيلة، حتّى يصبح شخصًا فاسقًا، قد نُزعت من صدره الغيرة والحميّة، حتّى تكون موهبةً داخله لا يقدر أن يتخلّص منها، فالبيئة المحيطة يمكن أن تُؤثّر بشكلٍ كبير على سلوك الفرد.يوجد في التّواصل الاجتماعيّ العديد من الشّخصيّات المختلفة، فمنهم الشّخصيّات الإيجابيّة التي تُشجّع على التّعلّم والتّنمية، ومنهم الشّخصيّات السلبيّة التي تُشجّع على الفسق والرّذيلة، كما يوجد الشّخصيّات المُبدعة التي تُقدّم محتوىً هادفًا ومفيدًا، والشّخصيّات المُتسلّية التي تُقدّم محتوىً ترفيهيًّا ومُسلّيًا، فالتنوّع في الشخصيات يعكس تعقيدات المجتمع الإنساني.