...
Img 20250922 wa0076

الكاتبة منال ربيعي 

 

كأنَّني أعيش على أرضٍ من زجاجٍ مُلوَّن، كلُّ خطوةٍ تتهشَّم تحت قدمي كقصاصاتِ فجرٍ مكسور، لا أجد لها استقرارًا ولا سكونًا. أُحاول أن أستدعي الصمتَ فلا يأتيني إلا رجعُ ارتجافٍ أخضر يشبه أوراقَ النعناع حين يهزُّها هواءُ الليل البارد. كلُّ ما نلتُه جاءني بغير موعد، مثل قوسِ قزحٍ هبطَ خطأً على نافذتي، ألوانه زاهيةٌ لكني لا أملكُ أن أُمسكها، كأنَّ الحظَّ ألقى إليَّ باقاتٍ لا تُناسبُ يدي ولا أصابعي المرتجفة. أفتحُها فأجدُ بداخلها غبارًا من ذهبٍ يتناثر في الهواء ولا يستقرُّ على قلبي.

 

أكتبُ كلمةَ “بيت” فتتناثر حولي جدرانٌ بلا أبواب، جدرانٌ مطليةٌ بلون الرماد المائل إلى البنفسج، سقوفها من سحابٍ رماديٍّ ثقيلٍ يقطرُ ماءً بارداً على كَتفي العاريين. أبحثُ عن الباب في كل زاويةٍ فلا أجد إلا مرآةً تُعيدُ وجهي مُلوَّناً بألف ظلٍّ، أحيانًا أرى البابَ كخطٍّ ذهبيٍّ يلمع ثم يختفي، كأنَّه ومضةُ طيرٍ سماويٍّ تركَ جناحه في الهواء وطار. في الممرات الطويلة أتنفسُ رائحةَ الحجر الرطب، وأسمعُ وقعَ قلبي كطبولٍ قديمةٍ تضيعُ أصداؤها في الفراغ.

 

ومع ذلك، أواصلُ الكتابة، أزرعُ بين الجدرانِ شرفاتٍ من ياسمينٍ أبيضَ وأُلوّنُ الأرضَ بخُطايَ الحمراء، أرسمُ على السقف سماءً فيروزيةً تتناثر فيها نجومٌ صغيرةٌ كحبّات السُّكر، وأعلِّقُ على الجدار صورَ مواسمٍ عشتُها ولم تكتمل، علَّ القصيدةَ تفتحُ لي بابًا من نورٍ في آخر السطر، وأجدُ فيه بيتًا يسكنني كما أسكنتُ الكلمات. أشعرُ أنَّ الحبرَ نفسه صارَ ماءً أزرقَ يسري في عروقي، وأنَّ السطورَ أصبحت شرفاتٍ عالية تطلُّ على حديقةٍ من ضوء، حيث يمكنني أن أمدَّ يدي وألمسَ جناحَ الطير السماوي قبل أن يختفي. هناك فقط أستطيع أن أقول: هذا هو بيتي، هذا هو الباب الذي لم أجدْه من قبل.

Loading

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *