شعر: منير الدايري
على جدارٍ عارٍ،
فراشةٌ صفراءُ تهبط،
جناحُها ريشٌ يتساقطُ من خريفِ السماء.
تصغي لجنتين،
بينهما برزخٌ من ضوءٍ شفاف.
كلامٌ مشتتٌ،
وبذورُ الجيرانِ تمطرُ
على بستانِ العجوزِ كالحجارة.
رفّتْ جناحَها،
فانتفضتْ عاصفةٌ،
سحابةٌ تُجتثُّ،
أوراقٌ وأغصانٌ تدورُ حولَ القمرِ
كتهديدٍ لا يُعلن.
يمشي العجوزُ تحتَ سقفِ البستان،
خطاهُ وئيدةٌ،
يتمتمُ بكتابٍ:
“كيفَ يُسكتُ المرءُ الريح؟”
الجارُ يغمرُ أرضَهُ بالقاذورات،
فيتنهدُ،
يرفعُ عينيهِ للسماء:
“لا بأسَ، أيها الشريف.”
تطيرُ الفراشةُ إلى شجرةِ برتقالٍ،
أوراقُها ذبلتْ،
يُمسحُ العجوزُ غصونَها
بيدٍ شقوقُها حياةٌ مضتْ.
يقولُ:
“في الستين،
لا تزالُ الأشجارُ تتنفس،
ولو نَحَلَتْ جذورُها.”
تحتَ ظلِّها،
كانتْ مائدةٌ،
زوجةٌ، أولادٌ،
ضحكاتٌ تنسجُ الذكرى.
اليومَ،
رحلتْ هي،
هاجروا هم،
وصمتتْ الرسائل.
تخشى الفراشةُ أنْ تُحرّكَ جناحَها،
تبسطُهُ كضوءٍ ساكن،
تلمسُ تراباً خصباً،
زهورٌ مختبئةٌ،
تقفزُ على رأسِ العجوزِ،
على الشجرةِ،
على قمرٍ متوارٍ.
تعودُ بذورُ الجيرانِ،
تضربُها،
تُلطخُها قشرةُ طماطس.
تنفضُ جسدَها،
تتعجبُ:
“لماذا لا يثور؟”
ترفرفُ فوقَ عشبٍ أصفر،
أخاديدَ جافةٍ،
بحرٍ صارَ سقفاً للبيت.
تأتيها الريحُ بساقِ زهرةٍ مكسورة،
حزنُها وجهُ إنسان.
يجلسُ العجوزُ على كرسيٍّ يهتزّ،
أصابعهُ تُداعبُ موجةَ راديو،
أخبارٌ مشوشةٌ:
“عاصفةٌ من الشمال،
استعدوا.”
تسكتُ الأرضُ،
نورٌ أرجوانيٌّ يُجمّدُ الكون.
تختبئُ الفراشةُ في شجرةٍ مجوفة،
تهمسُ:
“أينَ غناءُ البلابل؟”
صباحٌ،
تنقشعُ الريحُ،
تطيرُ الفراشةُ،
ترى جناتٍ خضراءَ تمتدُّ،
تسألُ:
“كيفَ صارتْ هذه التربةُ جنةً؟”
يجيبُ العجوزُ،
عيناهُ رمادٌ:
“الأرضُ تعرفُ النمو،
حينَ تزرعُها يدٌ
لا تنظرُ خلفَها.”
يمشي،
لا يلتفتُ،
والترابُ ينبتُ شجرةً،
يقولونَ إنها هنا
منذُ أن كانتِ الأرضُ.