الكاتبة منال ربيعي
للتعافي ثمنٌ لا يُدركه إلا من سار في دروب الألم حفاةً، من ذاق طَعم النزيف ورأى ظلّ الصمت وهو يملأ الجرح. الشفاء ليس وردةً في هواءٍ صافٍ، بل غرسٌ في تربةٍ خشنة، يُسقى بالدمع ويُقلَّم بالصبر وتتنفّس حوله أشجار التجربة. من أراد أن يخيط جرحه فعليه أن يتحمّل وخز الإبرة، أن يُصغي إلى ارتجافة الجسد وهو يلتئم، وإلى النفس وهي تعيد ترتيب أنفاسها بعد العاصفة الطويلة وتتعلم أن تحب نفسها رغم الشقوق.
في كلّ غرزة نخيط بها وجعنا ينسكب نورٌ خفيّ، حكمةٌ لم نكن نعرفها في صخب الرضا السهل. التعافي ليس هروبًا من الألم، بل مشيًا حافيًا فوق جمرة التجربة حتى تبرد بأقدامنا المرهقة، حتى نتذكر أنّنا لسنا فرائس بل ناجون. قد نظنّ أنّ الجرح عدوّنا فإذا به معلّمنا، وقد نظنّ أنّ الألم يهدمنا فإذا به يُعيد صياغتنا بيدٍ خفيّة ويكشف لنا وجوهنا الأخرى ويصقل أرواحنا.
إنّ كلّ وخزة إبرة شهادة على أنّنا ما زلنا نختار الحياة، وأنّنا لسنا ضحايا نزيفنا بل صنّاع ندوبنا الجميلة. وحين يلتئم الجرح لا يعود الجسد كما كان، بل أكثر صلابة، أكثر معرفة، أكثر رحمة بالآخرين وأكثر استعدادًا لأن يهب حبّه بلا خوف وأن يفتح نوافذ قلبه للضوء. فالتعافي ثمنه الصبر، وثوابه قلبٌ يعرف أنّ الندوب قصائد صامتة كتبتها الروح بدمها كي تتذكّر أنّها ما زالت حيّة وتنمو وتزهر.