الكاتبة مها زايد
سندتُ برأسي على الكرسي، وشغّلت أغنية حزينة كالعادة، وسرحتُ معها. وكالعادة، قاطع شرودي يدٌ تلوّح أمام عينيّ لكي ألتفت إليها. نظرتُ فوجدتها يد الأستاذ الذي كان بجانبي. حاولتُ أن أُخفي ضيقي، ونظرتُ إليه وأنا مبتسمة وسألته:
تمارا: أيوه يا أستاذ، خير؟ محتاج حاجة؟
تميم: أنا آسف في السؤال والله، ومعلش لو بتدخل في اللي مليش فيه، بس أنا مش قاصد أضايقك. أنا بس كنت حابب أطّمن عليكِ، لإنك من أول ما ركبتي وإنتِ سرحانة وعيونك مدمعة. هو في حاجة أقدر أساعدك فيها؟
رديت عليه بنفس الابتسامة المصطنعة: لا عادي، مفيش حاجة، متقلقش نفسك إنت.
هو طبعًا حس إن الإجابة مش أحسن حاجة، وتقريبًا اتحرج فسكت.
بس المشكلة إن بعدها بشوية، لقيت الكمسري جاي علشان التذاكر، وأنا لما مشيت ما أخدتش فلوس معايا ولا بطاقة حتى، ومش عارفة بصراحة لو طلبت منه يحاسب لي بعد الطريقة اللي كلمته بيها دي، هيبقى رد فعله إيه. بس طبعًا مكنش قدامي حل غير ده.
بصيت له وقلت له: لو سمحت، أنا والله في قمة إحراجي، بس أنا نسيت محفظتي في البيت، فأنا آسفة والله، بس ممكن لو تدفع لي؟ ووالله دين عليّ، وهرجعه لك تاني.
بص لي باستغراب وقال لي: دين إيه ولا كلام عبيط إيه بس اللي بتقوليه ده؟ دي حاجة تافهة أصلًا، عيب تتكلمي فيها، ولا يهمك خالص، من عينيّ حاضر.
الصراحة كان ذوق جدًا على عكس ما توقعت، وده خلاني اتكسفت من نفسي، وكان لازم أعتذر. استنيت بعد ما حاسب وقلت له:
تمارا: كنت عاوزة أعتذر لك على أسلوبي معاك، أنا آسفة بجد، بس أنا مضغوطة وتعبانة شوية.
تميم: ولا يهمك طبعًا، أنا ما زعلتش والله ولا حاجة. أنا بس كنت حابب أطّمن عليكِ، ولو في حاجة أقدر أساعدك فيها، ياريت ما تتكسفيش.
تمارا (بنظرة عرفان): لا والله أبدًا، كتر خيرك. أنا بس كنت عاوزة رقمك علشان أبقى أتواصل معاك، علشان أعطيك حقك.
تميم (وهو ما صدق أصلاً إنه ياخد رقمها ويتكلموا وكده، لأنه حس بحاجة من ناحيتها من أول نظرة، بس كان لازم يبين إنه عادي): يِسْتي والله الموضوع مش مستاهل، بس لو ده كان هيريّحك، فحاضر.
وملاها الرقم وسكتوا، وانتهى الحوار ما بينهم لحد ما نزلوا من القطر. واتفاجأت تمارا لما عرفت إنها نزلت مرسى مطروح. على قد ما فرحت إنها هتروح البحر، على قد ما اتوترت لما افتكرت إنها في بلد غريبة، ما تعرفش فيها حد، ولا معاها فلوس، ولا بطاقة، ولا أي حاجة.
ولتاني مرة، تروح تجري على تميم وتطلب منه المساعدة زي ما يكون خلفها ونساها.
طبعًا راحت له وهي بتقدّم رجل وتؤخر رجل، بس هي اتطمنت له، وحسّت إنه عمره ما هيأذيها، وده اللي شجعها. فقالت له:
لو سمحت يا أستاذ تميم، ممكن طلب تاني رخِم أكتر؟
تميم: يِسْتي والله عادي، إنتِ ليه حساسة كده؟ أؤمريني، بس في إيه؟
تمارا: أنا بصراحة زي ما أنت عارف، مش معايا فلوس، وطبعًا مفيش معايا بطاقة، ولو روحت أي فندق أقعد فيه، لازم هيطلبوا مني إثبات هوية، وأنا ما أعرفش حد. فكنت محتاجة منك بس إنك تيجي معايا تضمني وتدفع لي، حتى لو يومين بس، وأنا بإذن الله هدور على شغل، ووالله هسدد لك اللي عليّ.
تميم: بس كده! يِسْتي حاضر والله، تعالي.
وأخدها أحسن فندق موجود، وما استرخصش يعني، وده زوّده في نظرها أوي. بس للأسف اكتشف إن بطاقته منتهية، وده كان سبب كافي إنهم يرفضوا يحجزوا له.
هنا حسّت تمارا بفقدان الأمل، ولكن هتعمل إيه؟ هو مش ذنبه حاجة، وهو طبعًا كان في قمة إحراجه، بالذات في الخدمة اللي هيعرضها عليها.
تميم: عارف إنك ممكن تفهميني غلط، بس أنا والله ما أقصد حاجة غير إني أساعدك. بصي، أنا عندي شاليه هنا، وفي كذا غرفة، ممكن تيجي تقعدي معايا الكام يوم دول، وأنا معظم الوقت هبقى بره البيت أصلًا، وإنتِ تقدري تقفلي عليكِ بالمفتاح، ووالله ما هضايقك خالص، ما تخافيش.
اترددت تمارا شوية في الأول، بس طبعًا مفيش قدامها حل تاني غير ده، وأهو كده هيبقى أحسن أكيد من الشارع.
راحت معاه تمارا وهي مطمئنة، مع إنها ما تعرفوش من كتير، بس باين عليه شخص شهم ومستحيل يأذيها. استأذنت منه ودخلت أوضتها، اللي كانت طبعًا محتاجة تنظيف، لإن واضح إن الشاليه كان مقفول من زمان أوي، فقررت إنها تستغل عدم وجوده في البيت وتنضفه. استأذن تميم وسابها وخرج حوالي الساعة الواحدة ظهرًا، ولما رجع تميم من بره، وكان الوقت اتأخر شوية، حوالي الساعة العاشرة
مساءً، اتفاجئ بإن الشاليه نضيف جدًا ومرتب جدًا جدًا، وكمان لقى في عشا على السفرة. طبعًا فرح جدًا، بس كان لازم يشكرها على تعبها ده، ويفهم هي جابت الفلوس اللي عملت بيها الأكل إزاي. فنادى عليها، ولكن لقاها مش بترد، وزاد قلقه أكتر لما خبط على الباب كذا مرة، ومحدش رد.
الفصل الثاني #يتبع
![]()
