حوار : أحمد محمد
من قلب محافظة الغربية خرج صوت دافئ يحمل صدق التجربة وعمق الإحساس، صوت عرف طريقه إلى المايكروفون بعد رحلة طويلة من العمل والمثابرة.
نجلاء سعيد، المذيعة والمعلقة الصوتية وكاتبة المحتوى، هي نموذج لامرأة آمنت بموهبتها فصقلتها بالعلم، وحوّلت بيتها إلى استوديو إذاعي ينبض بالإبداع.
في هذا الحوار، نحاورها عن البدايات، والكواليس، والتحديات، وعن رسالتها في زمن تتغير فيه ملامح الإعلام كل يوم.
في البداية، من هي نجلاء سعيد، وكيف كانت بدايتكِ الأولى مع العمل؟
أنا نجلاء محمد لقوشه، وشهرتي نجلاء سعيد، وهذا الاسم مرتبط بزوجي – رحمه الله – الذي كان أكبر داعم لي في حياتي.
أنا خريجة كلية التجارة، جامعة القاهرة، ومن أبناء محافظة الغربية. بدأت حياتي العملية في مجال المحاسبة بشركات القطاع الخاص، وتنقلت بين مؤسسات مختلفة لفترة طويلة، لكن بداخلي كان شغف كبير بالإذاعة والإعلام.
متى أدركتِ أن المايكروفون هو طريقكِ الحقيقي؟
منذ سنوات الدراسة كنت أجد نفسي في الإلقاء والقراءة بصوت مرتفع، كنت أشعر أن الصوت يمكن أن يغيّر مشاعر الناس.
ومع مرور الوقت ازداد هذا الإحساس، حتى قررت أن أبدأ رحلة جادة في دراسة المجال الإعلامي وتطوير مهاراتي الصوتية.
كيف جاءت لحظة التحول من المحاسبة إلى الإعلام؟
كانت لحظة إيمان داخلي أن عليّ أن أستمع لصوتي من الداخل.
بعد فترة من العمل في الحسابات، قررت الالتحاق بدورات وكورسات في الإذاعة والتعليق الصوتي، حتى أتت الفرصة من الله لألتحق بمبنى ماسبيرو، ذلك الصرح الإعلامي العظيم الذي فتح لي أبوابًا جديدة، ومنه بدأت العمل في أكثر من إذاعة.
ما الذي تعلمتِه من تجربة العمل داخل ماسبيرو؟
تعلمت الانضباط، واحترام الوقت، وكيفية التعامل مع النصوص بحرفية عالية.
العمل في مؤسسة عريقة مثل ماسبيرو يمنحكِ احترام التفاصيل الصغيرة، من نبرة الصوت إلى اختيار الكلمة، كما اكتسبت خبرة التعامل مع الجمهور والإخراج وفريق العمل.
حدثينا عن فكرة إنشاء الاستوديو المنزلي، وكيف بدأتِ كـ”فري لانسر”؟
بعد سنوات من العمل الميداني، قررت أن أُقيم استوديو صغير في منزلي، ليكون مساحة خاصة أمارس فيها شغفي.
بدأت العمل بشكل حر، وكانت البداية في العمل التطوعي، خصوصًا في تسجيل المناهج الدراسية للمكفوفين، ورسائل الماجستير والدكتوراه.
كانت تجربة إنسانية عظيمة، وشكلت بداية الخير التي فتحت لي أبوابًا واسعة في عالم الصوت.
ما نوع الأعمال الصوتية التي تقدمينها حاليًا؟
أعمل في تسجيل الإعلانات الصوتية لمواقع التواصل الاجتماعي والتلفزيون، إلى جانب إعداد وتقديم البرامج الإذاعية، والتمثيل الدرامي، والدوبلاج، والكتب المسموعة، وكل ما يتعلق بالصوت والتعبير.
من كان داعمكِ في هذا المشوار؟
زوجي – رحمه الله – كان رفيقي الأول، يختار معي موضوعات البرامج ويكتب نصوص الإعلانات.
ولا أنسى والدي، بطل من أبطال حرب أكتوبر المجيدة، الذي علّمني الصبر والإصرار.
وخالي، أستاذي ومعلمي، من علماء الأزهر الشريف، الذي أثر في تكويني الفكري والروحي.
كما أن والدتي هي سندي الدائم، وأختي الأستاذة سحر – معلمة اللغة العربية – كانت وما زالت داعمة ومشجعة لي بكل حب.
ما أصعب المواقف أو التحديات التي واجهتكِ في مجال التعليق الصوتي؟
كثيرًا ما أواجه تأخير النصوص من العملاء مع رغبتهم في التسليم الفوري، أو عدم وضوح المطلوب بدقة.
أحيانًا يُطلب مني تسجيل النص أكثر من مرة لتغييرات بسيطة في الإحساس أو التون.
كذلك هناك من لا يُقدّر الجهد المبذول ويعتبر الأمر مجرد “قراءة بصوت جميل”، بينما الحقيقة أن العمل يحتاج وقتًا وتعبًا وتحضيرًا نفسيًا ولغويًا.
كيف تبدو كواليس العمل في الاستوديو؟
الكواليس مليئة بالتفاصيل الدقيقة، فقبل التسجيل أدرس النص جيدًا وأفهم الهدف منه: هل هو إعلان؟ وثائقي؟ درامي؟
ثم أبدأ في تحديد النغمة والإحساس المناسب، وأحيانًا أسجل الجملة الواحدة بعدة طرق مختلفة حتى أصل للأداء المثالي.
بعد التسجيل يأتي دور المونتاج والمكساج، وهو مرحلة مهمة جدًا لضبط التوازن بين الصوت والموسيقى والإيقاع.
برأيكِ، هل مجال التعليق الصوتي أخذ حقه في مصر حاليًا؟
أعتقد أنه بدأ في السنوات الأخيرة يأخذ مكانته تدريجيًا، خاصة مع توسّع صناعة المحتوى الرقمي والبودكاست والإعلانات الإلكترونية.
لكن ما زلنا في مرحلة الوعي، فهناك مواهب كثيرة لم تُكتشف بعد، وبعض المؤسسات لا تُدرك قيمة الصوت كوسيلة تأثير قوية، لذا نحتاج إلى مزيد من التقدير المادي والمعنوي لهذا المجال.
كيف ترين الإعلام القديم مقارنة بالإعلام الحديث؟
الإعلام في الماضي كان أكثر صدقًا وعمقًا وتأثيرًا، وكانت رسالته واضحة في بناء الوعي ونشر الثقافة.
أما الإعلام الحديث فهو أسرع انتشارًا، لكنه أحيانًا يفتقد للعمق، ويغلب عليه الطابع السريع والمحتوى القصير.
الإعلام الحقيقي هو الذي يحترم عقل الجمهور ويقدّم المعلومة بشفافية دون مبالغة أو تضليل.
هل ترين أن السوشيال ميديا أثّرت إيجابًا أم سلبًا على صوت المذيع والمعلق؟
من ناحية، السوشيال ميديا منحت فرصًا كثيرة للمواهب الجديدة، وفتحت أبواب العمل الحر أمام الجميع.
لكن من ناحية أخرى، جعلت البعض يظن أن الشهرة سهلة، فظهر محتوى ضعيف دون دراسة أو وعي مهني.
لذلك أرى أن التأثير مزدوج، والنجاح الحقيقي لمن يوازن بين الانتشار والجودة.
هل اكتفيتِ بصناعة المحتوى الصوتي فقط، أم لكِ تجارب في الكتابة أيضًا؟
أنا كاتبة محتوى، وكتبت قصصًا وسيناريوهات وحوارات إذاعية، إضافة إلى كتابة البرامج والإعلانات من الفكرة حتى النص النهائي.
أحب الكتابة لأنها الوجه الآخر للصوت، فالصوت يعبّر بالكلمة، والكلمة تمنح الصوت حياة.
ما الذي يعنيه لكِ “المايكروفون” اليوم؟
المايكروفون هو عالمي الصغير الذي أعيش فيه بصدق، هو المساحة التي أكون فيها على طبيعتي.
أعتبره صديقي ووسيلة رسالتي، وكل مرة أقف أمامه أشعر أنني أعيش تجربة جديدة مع كل كلمة تُقال.
ما طموحكِ القادم؟
أحلم بإنشاء مشروع متكامل لإنتاج المحتوى الصوتي، يضم مواهب شابة من كل المحافظات، وأن أقدّم برنامجًا إذاعيًا يحمل اسمي ويُعبّر عن رؤيتي ورسالة صوتي.
وفي الختام، ماذا تقولين لكل من وقف إلى جواركِ في رحلتكِ؟
أقول لهم: شكرًا من القلب… أنتم النور الذي أنار طريقي، والدعم الذي جعل حلمي صوتًا مسموعًا.
كل نجاح أحققه اليوم يحمل بصمتكم، فأنتم خلف كل لحظة تعب تحوّلت إلى إنجاز.
![]()
