كتبت: شهد مسعد
في دولٍ مختلفة، وفي مجتمعٍ بات مطمعًا لكثيرٍ من محترفي الابتزاز، لم تعد الشاشات آمنة كما نظن.
صار الفضاء الإلكتروني ساحةً مفتوحةً لكل من يحمل نيةً خبيثةً وقلبًا ميتًا.
ومع تطور التكنولوجيا، ازداد ذكاء المبتزين، ووجدوا في وسائل التواصل الاجتماعي فرصةً ذهبيةً لصيد ضحاياهم، خصوصًا من الفتيات والمراهقين.
بنقرة زر واحدة، تنقلب الموازين. شاباتٌ وفتيانٌ يتعرضون للابتزاز يوميًا.
حيث أثبتت الدراسات أن 58% من ضحايا الابتزاز الإلكتروني هنَّ فتيات دون سن الخامسة والعشرين.
وأن 73% من الضحايا يتم استهدافهم من قِبَل أشخاصٍ يعرفونهم، غالبًا من المعارف أو الأقارب.
كما حدث بالفعل في عام 2022، حين شهدت محافظة الإسكندرية واقعةً مؤلمة، إذ قام شاب بابتزاز خطيبته السابقة بعد فسخ الخطبة، مستغلًّا صورهما ومحادثاتهما الخاصة، مهددًا إياها بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي إن لم تُذعن لرغباته.
الفتاة التي كانت في حالة نفسية سيئة، ترددت في البداية خوفًا من الفضيحة.
لكنه تمادى في تهديده، وأرسل الصور إلى بعض أصدقائها، مما دفعها أخيرًا لكسر حاجز الخوف والتوجه إلى مباحث الإنترنت.
تم ضبط الشاب خلال أيام، ووجهت إليه تهمتا الابتزاز الإلكتروني وانتهاك الخصوصية، وتم حبسه على ذمة التحقيق. وقد أشاد الضباط بشجاعة الفتاة، مؤكدين أن الإبلاغ هو أول خطوة في طريق الحماية وردع الجريمة.
القصة حقيقية، وتم تداولها وقتها في الصحف المصرية، وتُظهر بوضوح أن القرب لا يكون أمانًا دائمًا إذا غاب الاحترام والحدود، وأن الوعي بالحق القانوني هو أول طريق النجاة.
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وواتساب وتيليجرام غير آمنة كما نظن، وحتى المكالمات الهاتفية لم تعد دائمًا بريئة.
تخيلي أن تصلكِ مكالمة من رقمٍ غريب، وتظلين ترددين: “ألو؟ ألو؟” حتى تتجاوز الثلاثين ثانية، وبعدها تنقلب حياتك رأسًا على عقب.
في عام 2023، كشفت الفنانة حورية فرغلي عن تعرضها لتهديد وابتزاز من شخصٍ حاول اختراق هاتفها وسرقة صورها الشخصية، وهددها بنشرها مقابل مبلغٍ مالي.
صرحت في لقاءاتٍ إعلامية بأنها أبلغت مباحث الإنترنت، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه.
بسبب ضعف الوعي، يجهل كثير من المستخدمين أساسيات حماية الخصوصية على الإنترنت.
المراهقون، على وجه الخصوص، يستخدمون الإنترنت بحرية تامة دون رقابة، ما يجعلهم أهدافًا سهلة للمبتزين الذين يستغلون صغر السن.
كما حدث مع فتاة تبلغ من العمر 14 عامًا من محافظة البحيرة، وقعت ضحية لابتزاز إلكتروني بعدما استخدم شاب صورها الطفولية، وحرفها وهددها بإرسالها إلى أهلها.
العديد من الضحايا لا يعلمون أن القانون يحميهم، وأن الجهات المعنية كـمباحث الإنترنت تتعامل بسرية تامة.
ومن بين هذه الحالات، سيدةٌ تأخرت في الإبلاغ عن شخصٍ يبتزها بصور خاصة، خوفًا من الفضيحة، إلى أن جاءت فتاة أخرى وبلغت عنه، ليتضح لاحقًا أنه يبتز فتيات كثيرات بنفس الطريقة.
وبات من السهل الآن زرع كاميرات خفية في محالات الملابس أو الأماكن العامة، تُستخدم لاحقًا في تهديد الضحايا واستغلالهم.
الابتزاز الإلكتروني لم يعُد مجرد تصفية حسابات، بل شبكة جريمة عالمية.
لم يعد الابتزاز مجرد فعل فردي ناتج عن خلاف شخصي أو رغبة في المال السريع.
بل تحول إلى منظومة إجرامية معقدة تتغلغل داخل أعمق الزوايا، تنشط عصابات إلكترونية تُعد من أخطر التهديدات الأمنية الحديثة.
مثل DarkSide وREvil وConti، التي استخدمت تقنيات التشفير والاختراق لابتزاز شركات كبرى ومؤسسات حكومية مقابل فديه مالية تُدفع غالبًا بالعملات الرقمية.
وتأتي عصابة LAPSUS$ بأسلوب مختلف، إذ تسرب بيانات ضخمة من شركات عالمية مثل مايكروسوفت وسامسونج. بينما تعتمد عصابات مثل LockBit وHive على نشر بيانات الضحايا عبر مواقع داخل الدارك ويب، ما يزيد من الضغوط والتهديدات.
هذه العصابات لا تعمل بشكل عشوائي، بل ضمن شبكات منسقة يصعب تعقبها، مما يجعلها تحديًا كبيرًا أمام الأجهزة الأمنية حول العالم.
في النهاية، يبقى الابتزاز الإلكتروني أزمةً مجتمعيةً خطيرة، لا بد من التكاتف؛ لحلها من أفراد وأسر، إلى مؤسسات تعليمية وجهات قانونية؛ لتحقيق بيئة رقمية آمنة نستخدم فيها الإنترنت بثقةٍ واطمئنان.