...
Img 20250928 wa0359

 

 

 

الكاتبة مريم بن إبراهيم لقطي

 

وأخيرًا، ركبت القطار الأسود. كان الجميع يتحدث عنه وعن أسراره، ومغامراتهم الغامضة داخله. هناك من عاد منه حيًّا، وآخر قد فُقد، وربما قُتل. أخذت القطار، وكنت بالمقطورة الثالثة. كنت بها بمفردي، وكان هذا الأمر غريبًا بالنسبة لي. أعرف جيدًا أن محطة القطار سرية، وأن القطار يظهر كل ليلة مع منتصف الليل، ويأخذ شخصًا مجهولًا، ولكني لم أتوقع أن أجده خاليًا هكذا. أخذت رواية ابتسم فأنت ميت وبدأت قراءتها، وبينما أنا منغمسة في القراءة، طغى على مسمعي صوت طفل صغير يبكي، وكان صدى الصوت قادمًا من المقطورة التي أمامي. طرقت على بابها، لكن لم يفتح لي أحد، ففتحت الباب بنفسي، وهالني الذهول، فإذا بها خاوية. أكملت الطريق، كانت جميع المقطورات فارغة. تقدمت قليلًا، وبدأ الرعب يدب في أوصالي. قررت محادثة سائق القطار، ولكن يا ليتني لم أتقدم، فقد رأيت منظرًا مخيفًا، بشعًا؛ كان جسد السائق بلا رأس، والدم يُغرق كرسيه. فركت عيني جيدًا، وأعدت النظر، فكان الكرسي فارغًا. ظننت أنني أهلوس، وربما أحداث الرواية التي كنت أقرأها طغت على فكري. عدت أدراجي إلى مقطورتي، فوجدت عجوزًا، شعره يتخلله الشيب، والتجاعيد تغزو وجهه، وكأنه يحمل أثقال الدنيا على كتفيه. نظرت مطولًا، وأدركت بأن القطار لم يتوقف أساسًا، فكيف ركب العجوز؟

فجأة، ازداد الأمر سوءًا. صرت أسمع أصوات بكاء حاد، وصراخًا يصمّ الآذان، والرياح تعصف بقوة.

المقطورة أضحت ممتلئة بالأطفال والنساء، الأبواب تفتح وتغلق بمفردها، والضوء أضحى خافتًا.

والعجوز وقف أخيرًا، وبين يديه خنجرًا طعن به الجميع، وظل يبتسم لي ابتسامة مسمومة.

كنت أغطي أذنيّ، لا أريد سماع شيء. اقترب، وهمس لي: حان دورك.

أدركت حينها أنه قطار الموت. أدركت بأنني لن أعود بأسرار الليلة، وأنني لن أنجو، فالهلاك محتّم.

 

 

Loading

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *