...
Img 20250928 wa0493

 

 

 الكاتب اليمني محمد طاهر سيَّار الخميسي

 

وليت صديقًا فأحببته، ولكن لم أتمسك بصداقته لضعف تمسكه بي، وقلة إنصافه في الاعتدال. لقد أصبح منافقًا بعد أن كان منصفًا لي وصديقًا صادقًا ومعجبًا بما أكتب. كنت أرى فيه ما لا أرى في غيره من حنكة وذكاء، وأدب وأخلاق، وحشمة وعفة ووقار. كانت تُملِي عليّ انطباعاته وأفعاله وصدق أقواله فأكتب عنه من المدح مما يضمره قلبي له من الحب. ولكن لا أسفُ عليه من بعد ما هجم عليّ بأخلاق ما لا يحمل في نظري ولم يتفق مع ما علمت به من المدح والثناء.

 

فلم يكن لي عدوًا من قبل حتى أذم طباعه، وأنتقم من شئونه، إلا بعد ما برقت لي من جانب أخلاقه بارقة الحسد لا بارقة الخير. لم أتحدث عنه بما قام في نفسي عليه، لا مؤاخذة يا صديقي على الهفوة التي ذممتها، ولا على خداعك الذي واجهني. لا أحسبني أحيا إلى زمنٍ ألقى فيه أناسًا أمثالك أمدحهم اليوم وأذمهم بفعالهم بالغد، وأمدح الان من أذممتهم في الأمس حتى حال بيني وبين أمثالك ستار.

 

لك أن تتعدل وتعدل من انطباعاتك، ولا تلهو بأطراف الحديث معي إن أردت مخاطبتي، وإن شئت أن تكون لي صديقًا كما كنت تدعي، أحسن وحسن من أخلاقك لأنها هي من ترفعك عندي. أما كبرك وعجرفتك وسماجتك هي التي تجعلني أكتب كل ما عندي من وصف عنك، بكل أشكالك وألوانك وصفاتك.

 

حينما تكون يدك ممدودة بالخير وقلبك نقيًا بالطيب، ستجدني أمد لك يد السلام وأشكرك على ذلك. ولكن حينما تكون يدك مغلولة سألويها إلى عنقك وأصفعك بقوة وشدة، حتى تعي ما أقول، وترى ما يراه الناظر. ولن يلين قلبي معك أبدًا، لأنك أنت من وضعت نفسك في مكان السقوط حتى أصبحت في قاع الدناءة والحماقة والذل.

 

حينها سأخزيك وأحترقك بين العالمين، حتى تعود إلي تلهث كالكلب المطيع تلتمس العفو من سيدك الأديب، وأعفو عنك بما حال بيني وبينك من جدار الفراق من بعد ما أغلقت على نفسك البوابة، وكنت من قبل ملكًا تعيش حرًا في كنف الأديب، الذي رفعك بين العالمين بكلماته التي أخطأتك للأسف ولم تكن لتصيبك كما هي أصابتك من قبل أن يخطأك القول، فأخطأت أنت وكانت العكس أشبه بالوصف. لقد وضعت نفسك في شقاء عنك. لقد كتبت عنك وتحدثت ولكن لم تكن كلماتي بمقاسك، حينما ألبستك ثوبًا قشيبًا مطرزًا ليس له في السوق شبيه إلا ما أهديتك إياه.

 

ليس صديقي أنت إنما ذلك الذي يبتسم في حال رضاي وغضبي، وحلمي وجهلي وصوابي وسقوطي وتعثري، هو الذي يغتبط بمودتي ويوثق بصداقتي يصلح أن يكون مرآتي فيه أكتشف نفسي وأصدق عن زيني وشيني وحلوي ومري. أما ذلك المخادع المنافق قد أقبل وهو جاهل متهور في ميوله وأهوائه، جاهل بأنني لم أكن دراء باللئام من أول لحظة لقاء أو موقف، فلا يرى غير ما تريد نفسه لا ما يحب أن يراه.

 

قد علمت هواه في صمت عيوبه وتحرير الذيول عليه فلا يبلغ مني ما يريد أن يبلغ. يا صديقي لست ممن يعكسون القضايا ويقلبون الحقائق فيسمون الصادق كاذبًا والناس يعلمون من هو الكريم ومن هو اللئيم. أنظر إلى كل شيء منعته عن سخي بذلك الجميع يعرف من هو الدنيء الذي يحسد الناس أشياءهم ويبخل بما تمسك يداه من حاجاتهم التي سيدفعون ثمنها وإن غلا السعر.

 

إن كنت من محدثي النعمة والثراء، فأنا من الذين تركوا بلاط السلطان والجاه والثراء، وباتوا تحت العراء يقرؤون في المخطوطات ويدبجون الرقع، ممن يرتقون إلى العلى تحت سماء صافية ويسامرون النجوم متنفسين بوحشة الظلام تحت ضوء الليالي المقمرة.

 

لك أن تعلم ليس حلو الطباع في المال، ولا كسب المودة بالدفع ولا نيل العلى بالجاه وليس كل ما تدعي لنفسك من نعمة هي رافعة شأنك في الخلق لا وربي أنك لا تعدل مما اكتسبت من المعارف مثقال ريشة قلمي الذي أعصر به الحروف وأرسم به لوحاتي الخيالية في السماء الصافية، ولاحتى وزن أوراقي التي وزنها أكبر منك حجمًا مما تحمل من أدب وفصاحة وبلاغة.

 

عد إلى رشدك وأحلم بجد إن أردت أن تكون يومًا من أمثالي، وإن لم تريد أحلم في منامك حتى تستيقظ بلا وجهة ولا هدف متسكعًا في الطرقات كلصٍ يبحث عن الثراء من بيوت الفقراء ويعود بالخيبة والفضيحة.

Loading

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *