...
Img 20250909 wa0017

 

الكاتبة شروق مصطفى

 

في صباحٍ غائمٍ خفيفِ النسمات، استيقظت “مريم” على صوتِ طرقٍ متتابعٍ على النافذة. لم يكن مطرًا، بل غصنُ شجرةٍ يعبثُ به الهواء. جلست على حافةِ السرير تحدّق في الضوءِ الرماديِّ المتسللِ من خلفِ الستار، وشعرت أنّ هذا اليومَ يخفي لها شيئًا غير مألوف؛ كأنّ العالمَ على وشكِ أن يهمسَ بسرٍّ قديم. رفعت رأسها بتردّد، وبين يقينها وخوفها، بدأت حكايتها.

 

حملت نفسها بتثاقل، واتجهت نحو النافذة. قدّمت رجلًا وأخّرت الأخرى، وفي نفسها ريبةٌ مما ستجده خلفها. بهدوءٍ أزاحت الستار، ثم ارتعدت وارتدت للخلف. لم يكن الغصنُ وحده من يطرق على النافذة، بل كان هناك ظلٌّ طويلٌ ينعكس على الزجاج… ظلٌّ لم يكن لها.

 

تسارعت أنفاسها، وتجمدت ساقاها في الأرض، وانتباها الخوف. حاولت السيطرة على نفسها، وبدأت تتنفس ببطءٍ لعلّها تهدأ من روعها. فتحت النافذة، فلم تجد أحدًا سوى الشجرةِ العجوزِ المجاورة. هدأت قليلًا، وأرغمت نفسها على تصديقِ أن ما رأته مجردُ وهم. أعادت النافذةَ والستارةَ كما كانتا، ثم عادت إلى سريرها من جديد.

 

لكنّها ما لبثت أن رأت ما أرعد فرائصها، واستوقف دقاتِ قلبها، وأمسك الدمَ عن الجريانِ في عروقها. هناك ورقةٌ مطويّةٌ على طرفِ السرير لم تكن موجودةً من قبل. وقفت مريم غارقةً في ذهولها، وقد تملّك منها الخوفُ تمامًا. وأخذت تتساقط عليها الأسئلة: من أين أتت تلك الورقة؟ كيف استقرّت على سريري؟ من صاحبها؟ وما بها؟

 

تنفّست بعمق، وأخذت الورقةَ بأناملٍ مرتعشة. خرج صوتها مرتعدًا، ضعيفًا، مبحوحًا، وهي تقرأ الكلماتِ القليلةَ المدونةَ فوقها:

“تأخرتِ هذه المرة يا فتاة… أسرعي في المرة القادمة.”

 

انتبهت مريم قبل أن تلقي بالورقة إلى أنّ هناك توقيعًا أسفلها. لم يكن اسمًا، بل حرفًا غريبًا. لم يكن بالعربية ولا بالإنجليزية، بل أشبه برمزٍ لا تعرف معناه.

 

هنا أجبرت نفسها على الشجاعة، وحاولت أن تتمالك ما تبقّى منها حتى تعرف حقيقةَ هذه الرسالة. ربما كانت مزحةً سخيفةً من أحد! أمسكت الورقةَ بيديها، وبخطواتٍ مدروسةٍ اتجهت نحو الباب، لعلّها تجد من أرسلها، أو شيئًا يدلّها عليه.

 

لكنّها وجدت رسالةً أخرى عند الباب، تحمل الرمزَ نفسه، وتقول:

“أحسنتِ يا صغيرة… أكملي ولا تتأخري.”

 

عندها أدركت مريم أن أمرًا ما بانتظارها، لكنها لا تدري إن كان خيرًا… أم شرًا.

Loading

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *