الكاتبة مها زايد
رد الملك زهر الدين على الملك جمر بخطاب آخر يتضمن المكان والزمان.
وقع اختياره على جزيرة تتوسط المملكتين وتُسمى جزيرة “الوَدق”.
اقترب الموعد، وكان خوف وقلق زهر الدين يزداد، ولكنه يمثل القوة والصلابة، فهو يعلم جيداً من هو جمر وما الذي يكنه له، فهو يوماً كان أقرب له من أهله.
شرد زهر الدين للحظات وهو يستعيد شريط ذكرياته الأليمة.
كان جمر وزهر الدين في نفس العمر تقريباً، وكان والد جمر “جذوة” الحارس الشخصي والصديق المقرب للملك “حق” والد زهر الدين، وعندما توفيت زوجته عرض حق على جذوة أن يُحضر جمر ليعيش معهم في القصر، وأن تقوم بعنايته الملكة “ترف” مثل الأمير زهر الدين.
كانا في الثانية عشرة حينها، وكان من طبع زهر الدين اللين والرقة، فأحبه كما لو كان أخاه الشقيق، خاصة أنه كان وحيد أبويه.
مرّ العمر وهم يتقاسمان الطعام والملابس وحتى الوقت والهوايات. كان جمر أقوى بدنياً من زهر الدين، فعندما شعر أن زهر الدين بدأ يتحسن في التدريبات وركوب الخيل وغيره من التجهيزات اللازمة لإعداد أمير قوي، شعر بالغيرة، وغفل عن قدره، وراودته نفسه بأنه هو من يستحق هذا المنصب وهذه المكانة، ولكن بأي حق؟ هو ليس الابن الشرعي لحق، ولكنه مجرد شخص قام بتربيته وشمله برعايته.
كانت تشتعل نار الغيرة بداخله كل يوم أكثر من ذي قبل، حتى شعر بهذه الغيرة كل من حوله، حتى زهر الدين، ولكنه كان يكذب نفسه، فهو لم يتوقع يوماً الغدر من جمر، فهو أعدّه أخاً حقاً.
في عمر الثانية والعشرين، قام جمر بالهرب من القصر إلى مملكة أبعد من مملكة فلوريا بقليل، وكانت تُدعى مملكة فِلاما. ذهب ليعمل كحارس لقصر الملك “شاهر”، بعدما قام بدراسة أحوال هذه المملكة، وعلم أن الملك شاهر ليس لديه أبناء غير ابنته ووريثته الوحيدة “ناريسا”، فقرر أن يذهب للعمل ويجعلها تقع في حبه ليتزوجها ويصبح هو الملك بعد شاهر.
لم يُبيّن نيته في البداية، وظل يخدم شاهر ويفديه بدمه، حتى أحبه شاهر وكان يريده زوجاً لابنته، ولكن كان ينتظر المبادرة من جمر.
على الجانب الآخر، كان جمر قد أوقع ناريسا في شباكه، فهو وسيم، ذو شخصية صارمة، قوي البنية، والأهم أنه معسول اللسان ومتمكن من الغزل، وكان يعلم ثغرات الفتيات وكيف يعمل عليها.
بعد مدة ليست بقليلة من عمله ومحاولاته في تنفيذ خطته، نجح بالفعل في التقرب من الملك وابنته، وعندما تأكد من مكانته لديهم، ذهب وطلب القرب من الملك شاهر، فبدون تردد وافق، وتزوجا سريعاً، وهنا كان الدور على الخطة الثانية.
لم يُضِع جمر الوقت، وبدأ بتنفيذ خطته بعد الزواج بشهر، فكان يقوم بوضع السم في طعام الملك يومياً، ولما بدا على شاهر التعب والمرض، وشعر أن العمر لم يعد فيه بقية، أوصى جمر بأن يتولى هو الحكم، وأن يكون عادلاً ويحافظ على ناريسا وعلى المملكة.
طمأنه جمر ووعده بذلك، وبعد أيام قليلة، كان شاهر قد وافته المنية، تاركاً وراءه مصير تلك المملكة في يد خائن مثل جمر.
فهو لم يكن لديه مشاعر سوى الانتقام، وكان كل هدفه هو الانتقام من زهر الدين ومملكة فلوريا بالكامل. فظل يبث الكراهية في قلب ناريسا، ولأنها تحبه كانت تثق به وتقتنع بكلامه عن ظهر قلب. فكان أول اشتباك بينهم بعد توليه الحكم بسنة، عندما علم أن حق توفي وأن زهر الدين تولى الحكم.
باء الاشتباك بالفشل نتيجة التجهيزات القوية التي قام بها زهر الدين في المملكة، فهو قام بتجهيز جيش قوي تحسباً لهذه اللحظة، فهو كان يعلم أن جمر لن يصبر طويلاً على افتعال المشاكل بسبب وبدون.
كان يشن جمر الحرب سنوياً مع مملكة فلوريا، ولكن كل مرة كانت الحرب تبوء بالفشل، حتى نجح جمر في إحدى المرات، عندما أخذهم غدراً، ولكن بهادر استطاع السيطرة على الوضع وتحجيم الخسائر البشرية.
أفاق زهر الدين من شروده على صوت أفزعه، فهو يعلم صاحب هذا الصوت، الذي كان في يوم مصدر الأمان بالنسبة له، فسبحان مبدّل الأحوال، فقد أصبح هذا الصوت الآن هو مصدر القلق والكراهية في قلبه.
دار الحوار بين زهر الدين وجمر في البداية بطريقة هادئة إلى حدٍّ ما، فقام زهر الدين بمد يده ليصافحه، ولكن جمر رفض مصافحته وأهانه، وقام بتهديده بأن يقوم بإبعاد ابنته كاميليا عن ابنه إغار، وإلا أحرق المملكة بما فيها.
انفعل زهر الدين من هذا التلميح المهين، الذي حاول جمر إيصاله لزهر الدين، وهو أن ابنته هي من تحاول إيقاع إغار في شباكها، مع أن العكس هو الصحيح.
![]()
