الصحفية: خديجة محمود عوض
ما بَينَ الحَـرفِ والوَجَـع… امرأة تكتب بِمـداد مِن روحها
حين تخـطّ الكاتِـبة سطـورها، لا تَكتب حروفًـا، بل تنفـث من روحها شيئًا يُشبـه الاعتراف، ويُشبـه التوق إلىٰ حياةٍ أصدق من الواقع.. في كل نصّ تكتبه، ثمة ظلّ جرحٍ قديم، أو صدى حلمٍ يتوارى خلف الحنايا، في هذا الحوار، سنغوص معها في عمق الأسئلة التي لا تُطرح، لنكشف وجه الكاتبة حين تنفرد بنفسها، وتحدّق في ورقةٍ بيضاء كأنها مرآةٌ لنفسٍ تتشكّل.
1. من تكونين حين تنزعين عنكِ لقب “الكاتبة”؟ ومن تكونين حين تنفردين بالقلم وحدكِ دون جمهور؟
حين أنزع عني لقب “الكاتبة”، أعود إلى طبيعتي الأولى: إنسانة تُدهشها التفاصيل، تُرهقها المشاعر، وتُغريها الأسئلة الوجودية. أما حين أنفرد بالقلم دون جمهور، أكون نفسي تمامًا، دون تزيين أو رقابة، أكتب كأنني أهمس في أذن الله.
2. متى كانت لحظة البداية؟ وما الحدث الذي دفعكِ إلى الإمساك بالقلم؟
بدأت في سن الرابعة عشر، بخاطرة عن البحر. كانت تلك اللحظة هروبًا جميلاً من صخب العالم، واكتشافًا لبوابة داخلية لم أعرف أنها موجودة. الحدث؟ ربما كان شعورًا غامضًا بالوحدة، أو شوقًا لأن يسمعني أحد، حتى ولو كان الورق.
3. كيف تصفين علاقتك بالنص؟ هل هو انعكاسٌ لما تعيشينه أم لما تتخيّلينه؟
هو مزيجٌ غريب من الاثنين. أعيش بعضه، وأتخيّل بعضه، وأحيانًا يكتبني النص قبل أن أكتبه. في كل مرة، أكتشف أنني لا أهرب من الواقع بقدر ما أُعيد تشكيله.
4. هل تتقبلين النقد بسهولة؟ وما الحدّ الفاصل لديكِ بين النقد البنّاء والهدّام؟
أتعلم أن أتقبّله، لأن النص لا يكتمل دون عينٍ أخرى تراه من زاوية مغايرة. النقد البنّاء يُنير، أما الهدّام فيُطفئ الروح ويستهدف الشخص لا الفكرة. الفرق واضح: الأول يُنصت، والثاني يُصدر حكمًا.
5. ما المشروع الأدبي الذي تحلمين بإنجازه ولم يحن أوانه بعد؟
رواية عن نساءٍ يكتبن في السر، عن الصمت الذي يتكلّم، وعن العتمة التي تخفي مواقد من نور. لم يحن أوانها لأنني ما زلت أتعلم كيف أرويها كما تستحق.
6. ما الرسالة التي تودين إيصالها لكل فتاة تملك الحرف لكنها تخشى أن تبوح به؟
بوحكِ ليس ضعفًا، بل شجاعة. الكتابة لا تفضحكِ، بل تُنقذك. اكتبي، فالكلمات التي تخفينها اليوم، قد تكون مرآةً تُنقذ فتاةً أخرى غدًا.
7. لو سُلب منكِ القلم، هل تظلّين الكاتبة؟ أم أن الكتابة عندكِ فعلٌ لا يُفصل عن الهوية؟
إن سُلب القلم، سأكتب بعيني، بصمتي، بدمعتي. أنا لا “أكتب” فقط، أنا “أكون” عندما أكتب. هي ليست مهنة، بل هوية لا يمكن نزعها دون أن أفقد شيئًا من روحي.
8. لو كُتب لنصٍّ من نصوصكِ أن يُخلّد، فأيّ نصّ تختارين؟ ولماذا؟
أختار نصًا كتبته عن “الخذلان الجميل”، الذي يجعلنا أكثر وعيًا، لا مرارة. لأنه الأكثر صدقًا، والأقرب لنبض من عبروا مثلي دروب الخيبة والنور.
9. إن سُمح لقلبك أن يهمس لقارئك برسالةٍ واحدة، لا تنشرها الصحف ولا تدوّنها الكتب، فماذا يقول؟
“أنا أكتب لأني أحبك، حتى لو لم نلتقِ أبدًا. كل كلمة كتبتها كانت محاولة للقول: لست وحدك.”
10. كيف ترين نفسك الآن بعد هذا الحوار؟ وهل شعرتِ أن الأسئلة كشفت جانبًا مختلفًا عنكِ لم تتحدثي عنه من قبل؟
أشعر كأنني نظرتُ إلى مرآة أعمق. هذه الأسئلة نبشت طبقات كنت أظنني تجاوزتها. نعم، كشفت جانبًا هادئًا، لكنه صادق.. وربما هو الأكثر أصالة فيّ.
في الختام حين تنتهي الكلمات، يبقى الأثر. وكلمات الكاتبة: ” شهرة بو جلال” لم تكن مجرّد حروف عابرة، بل كانت بصمات في ذاكرة القرّاء. نُودّعها ونحن نعلم أن القادم منها سيكون أعمق، أصدق، وربما أشد وقعًا… فهي لا تكتب لتُقال فحسب، بل لتُحسّ، وتُحدث في القلب رجفة لا تُنسى.
مجلة: الرجـوة الأدبيَّة