...
Img 20250921 wa0015

 

الصحفية: رحمة سُليمان

 

معنا اليوم موهبة جديدة من دار واحة الأدب نستضفها داخل مجلة الرجوة الأدبية. في عالمٍ تتقاطع فيه العلوم مع الأدب، يبرز اسم محمد الزلطي كباحثٍ في الهندسة الوراثية وأديبٍ يحمل بين طيات كلماته روح الوطن وعمق الإنسان. من معامل مركز البحوث الزراعية إلى صفحات القصص والروايات، يخوض الزلطي رحلة فريدة تجمع بين دقة العلم ودفء الحكاية. في هذا الحوار، نقترب من شخصيته المتعددة، ونكتشف كيف يمكن للبحث في التعبير الجيني أن يتجاور مع التعبير الأدبي، وكيف تتحول لحظات الأبوة إلى شرارة إبداعية تُنير طريق الكتابة.

 

1. في مستهل لقائنا، هل يمكنك أن تُطلعنا على نبذة تعريفية عنك، تُعرّف بها القارئ على شخصيتك ومسيرتك؟

محمد الزلطي، أعمل في معهد بحوث الهندسة الوراثية الزراعية التابع لـ مركز البحوث الزراعية.

أحمل درجة الماجستير في الهندسة الوراثية، وعمري 43 عامًا.

خلال مسيرتي البحثية نشرت خمسة أبحاث علمية، من بينها بحثان في مجلة Scientific Reports التي تُعد من أبرز المجلات العلمية عالميًا، حيث احتلت المركز الخامس على مستوى العالم عام 2023، بالإضافة إلى بحث آخر في مجلة BMC Plant Biology.

تركز أبحاثي على دراسة التعبير الجيني وآليات مقاومة النباتات للإجهادات البيئية مثل الجفاف والملوحة ودرجات الحرارة المرتفعة، في محاولة لفهم قدرة النبات على التكيف وتحسين إنتاجيته في ظل التغيرات المناخية.

 

2. طريق النجاح لا يُعبّد إلا بالعزيمة والمثابرة. كيف بدأت ملامح موهبتك الأدبية بالتشكّل، وما المحطة الأولى التي شعرت فيها بأنك تسير في الاتجاه الصحيح؟

بداياتي مع الكتابة جاءت بشكل غير متوقع، لكنها كانت ملهمة جدًا. كانت أول محاولة جادة لي أثناء مسابقة لكتابة القصة القصيرة للمرحلة الابتدائية، حين شجّعت أبنائي على المشاركة فيها. جلسنا نفكر معًا في أفكار للقصة، وتزامن ذلك مع الاحتفال بيوم الشهيد، فكانت المناسبة ملهمة بكل ما تحمله من معاني التضحية والانتماء.

ساعدت ابنتي يارا في كتابة قصة بعنوان “يوم الشهيد”، وشاركت ابني يوسف في كتابة قصة أخرى بعنوان “في العاشر من رمضان”.

ربما كانت تلك اللحظة البسيطة هي البداية التي أيقظت بداخلي الحس الأدبي، وشعرت حينها أن الكتابة ليست مجرد هواية، بل طريق للتعبير عن القيم والمبادئ التي أحاول أن أغرسها في أبنائي وفي نفسي أيضًا.

 

3. علمنا بتعاونك مع دار “واحة الأدب”. كيف تصف هذه التجربة؟ وما انطباعك عن أول تعامل جمعك بهم؟

تجربتي مع دار واحة الأدب كانت تجربة مفرحة للغاية، فهي أول دار نشر أتعامل معها، وقد تركت لديّ انطباعًا طيبًا منذ البداية.

ما يميز واحة الأدب حقًا هو اهتمامها بالأعمال الجادة وإيمانها بقيمة الكلمة الهادفة، فهي تمنح الفرصة للأقلام التي تحمل فكرًا ورسالة، لا لمجرد النشر، بل لإبراز ما يستحق أن يصل إلى القارئ بغض النظر عن التفكير في المكسب المادي فقط. وأنا أقدّر هذا التوجه كثيرًا ، لأنه يجسد روح المسؤولية الأدبية التي نحتاجها في الوسط الأدبي.

 

4. هل يمكن أن تُحدثنا عن أبرز إنجازاتك الأدبية السابقة؟ وأيّها الأقرب إلى قلبك، ولماذا؟

أعمالي الأدبية السابقة كانت قصتين قصيرتين كتبتُهما بمشاركة أبنائي يوسف ويارا، وهما تجربتان بسيطتان لكنهما عزيزتان على قلبي.

وأقربهما إليّ هي قصة “يوم الشهيد”، لأنها تحمل بداخلها رسالة إنسانية ووطنية عميقة.

تحكي القصة عن طفلة صغيرة تشاهد على شاشة التلفاز الاحتفال بيوم الشهيد، فتسأل والدها عن معنى هذا اليوم ولماذا نحتفل به. لم تكن قد عاشت تلك الفترة العصيبة التي مرّ بها وطننا منذ ثورة 2011، فيبدأ والدها بشرح قيمة التضحية ومعنى البطولة، مؤكدًا لها أن “أغلى ما يملكه الإنسان هو حياته، وهؤلاء الشهداء ضحّوا بها من أجلنا.”

تلك الجملة البسيطة كانت محور القصة وروحها، وربما لأنها خرجت من قلب أب يتحدث لابنته عن معنى الوطن، فقد كانت الأقرب إلى نفسي.

 

5. ما هو مشروعك الأدبي القادم؟ ومن أين استلهمت فكرته؟ وهل انتهيت من كتابته أم ما زال قيد الإنجاز؟

حاليًا أعمل على ثلاث روايات، إحداها – بإذن الله – ستكون جاهزة للعرض في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2027.

جاءتني فكرة هذا العمل حين راودتني رغبة في تقديم رواية مصرية بطابع عالمي، تجمع بين الغموض والتحليل النفسي العميق، على نحوٍ يمزج بين تشويق أغاثا كريستي وعمق ديستويفسكي.

أردت أن أخلق تجربة قراءة يعيش فيها القارئ رحلة عقلية وأنسانية في آن واحد، تجمع بين ألغاز الجريمة وأسئلة الوجدان.

العمل ما زال قيد الكتابة، لكنه من المشاريع الأقرب إلى قلبي، لأنني أراه نقطة التقاء بين الأدب والتحليل الإنساني الذي طالما جذبني.

 

6. ما توقعاتك لردود الفعل حول هذا العمل عند صدوره في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2026؟ وهل يحمل رسالة معينة تسعى لإيصالها من خلاله؟

أتوقع أن تحظى رواية “رأس العش.. عندما تكلم الرصاص” بتفاعل واسع عند صدورها في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2026، لأنها لا تقتصر على سردٍ تاريخي أو درامي فحسب، بل تحمل رسالة وطنية وإنسانية خالدة.

أتمنى أن تكون الرواية تذكيرًا ورمزًا للصراع العربي–الإسرائيلي، وتأكيدًا على أن هذه الأرض لنا، وأنها لا تُترك للغاصب بل تُحرَّر بالتضحية والفداء.

كما تحمل الرواية رسالة أعمق ضد اليأس والاستسلام، فهي تقول إن الكرامة لا تموت ما دام في الأمة من يرفض الانكسار.

أردتها أن تكون عملًا يوقظ الذاكرة ويستنهض الروح، لتبقى رأس العش رمزًا للبطولة ولصوت الأرض حين يتكلم الرصاص دفاعًا عنها بالدماء.

 

7. كيف تتعامل مع النقد؟ وماذا يعني لك رأي النقّاد في أعمالك؟

أؤمن أن النقد هو اللسان الذي ينبه الكاتب إلى ما لا يراه بنفسه، لذلك أتعامل معه باحترام وتقدير، لأنه يمثل عينًا خارجية صادقة قد تلتقط ما يغيب عن الكاتب وسط انشغاله بعالمه الإبداعي.

أما المدح، فهو جميل، ولكن النقد البنّاء يستحق الإصغاء والانتباه اكثر، لأنه يمنح الكاتب فرصة للتطور والنضج الفني.

باختصار، أرى أن النقد الصادق هدية، حتى وإن جاءت في ثوبٍ قاسٍ، فهو ما يجعل العمل القادم أكثر عمقًا واتزانًا.

 

8. لكل كاتب طقوسه الخاصة التي يستحضر من خلالها الإلهام. هل تود مشاركتنا بطقوسك أثناء كتابة عملك القادم؟

لم تكن لدي طقوس خاصة أثناء الكتابة، لكنني بعد هذا السؤال بدأت أفكر جديًا في فكرة تهيئة جو خاص للإبداع بعد هذه التجربة.

في الحقيقة، أنا لا أكتب لمجرد الكتابة، بل حين تراودني فكرة أو سؤال لا أجد له إجابة إلا على الورق.

و كان السؤال الذي أشعل بداخلي شرارة الكتابة هو:

“تفتكر في حاجة اسمها يأس؟”

ومن هذا السؤال بدأت الرحلة… رحلة بحث عن الأمل وسط العتمة، وعن الإيمان بالقوة الكامنة في الإنسان مهما اشتدّ عليه الواقع.

 

9. يُقال إن الكاتب قارئ قبل أن يكون كاتبًا. من هم الكتّاب الذين تقرأ لهم؟ وهل هناك شخصية أدبية تعتبرها قدوة لك؟

قرأت لكثير من الكتّاب في مجالات متنوعة، لكن يظل في الصدارة الدكتور نبيل فاروق والدكتور أحمد خالد توفيق، فهما من أكثر من أثّروا فيَّ فكريًا وأدبيًا.

من خلال أعمالهما تعلّمت أن الأدب يمكن أن يكون ممتعًا وعميقًا في الوقت نفسه، وأن الكاتب الحقيقي هو من يفتح أمام القارئ أبواب الخيال وهو يقوده للتفكير في واقعه أيضًا.

هما بالنسبة لي قدوتان في الإخلاص للفكرة، والصدق مع القارئ، والإيمان بقوة الكلمة التي يمكن أن تغيّر الوعي وتلهم الأجيال.

 

10. هل هناك مقولة تؤمن بها وتستند إليها في حياتك الأدبية أو الشخصية؟

المقولة التي أؤمن بها وأستند إليها في حياتي الأدبية والشخصية هي قول الله تعالى: “وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين.”

فهي تذكّرني دائمًا بأن كل ما نبلغه من نجاح أو إبداع هو بفضل الله أولًا، وأن السعي وحده لا يكتمل إلا بإرادة الخالق وتوفيقه.

أستمد منها طمأنينتي في الطريق، وأجد فيها توازنًا بين الاجتهاد والإيمان، بين العمل والتسليم، وهي بالنسبة لي منهج حياة قبل أن تكون آيةً أرددها.

 

11. وفي ختام هذا الحوار، كيف وجدت الأسئلة؟ وهل كان اللقاء مُلهِمًا بالنسبة لك؟

كانت الأسئلة ممتازة واللقاء ممتعًا وملهما بكل معنى الكلمة.

أعتبر هذا الحوار مسك الختام لتجربتي الأولى مع دار واحة الأدب، التي أعتز بانضمامي إليها، وأتمنى أن تتجدد لقاءاتنا دائمًا على خير.

وأتطلع أن نلتقي مجددًا في معرض القاهرة الدولي للكتاب مع روايتي “رأس العش.. عندما تكلم الرصاص”، التي أرجو أن تكون شاهدًا صادقًا على بطولة الكتيبة 43 صاعقة، وإحياءً لذكرى بطولات الجيش المصري العظيم التي ستظل مصدر فخر وإلهام لكل الأجيال.

 

انتهي اليوم حوارنا داخل سطور الرجوة، مع محمد الزلطي كإنسانٍ لا يكتفي بالنجاح العلمي، بل يسعى لأن يكون لصوته الأدبي أثرٌ في وجدان القارئ. هو نموذجٌ لمن يكتب بعقله وقلبه، ويؤمن بأن الكلمة الهادفة قادرة على أن تُغيّر، تُلهم، وتُخلّد. ومع مشاريعه الأدبية القادمة، يبدو أن رحلته لا تزال في بدايتها، تحمل في طياتها وعدًا بمزيد من الإبداع والتأثير.

Loading

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *