الصحفية: رحمة سُليمان
“رغم أن مساري الأكاديمي علميّ بحت، إلا أن الأدب ظلّ عالمي الموازي الذي أتنفّس من خلاله.”
معنا اليوم موهبة جديدة من دار واحة الأدب نستضفها داخل مجلة الرجوة الأدبية.
1. في مستهل لقائنا، هل يمكنك أن تُطلعينا على نبذة تعريفية عنك، تُعرّفين بها القارئ على شخصيتك ومسيرتك؟
اسمي ريان نور، من الجزائر، مواليد 1998.
خريجة الجامعة، أحمل شهادة ماجستير في تكنولوجيا الغذاء ومراقبة الجودة والنوعية.
رغم أن مساري الأكاديمي علميّ بحت، إلا أن الأدب ظلّ عالمي الموازي الذي أتنفّس من خلاله. منذ طفولتي، كنت أجد في الكلمة ملجأ، وفي الكتابة حالة راحة وصدق لا تشبه شيئًا آخر.
أول من نَبّهني لهذا الحسّ كانت معلمتي في الابتدائي، حين كانت تندهش من أسلوبي وتقول: “أسلوبك لا يُشبه سنّك.”
لذلك، لم أتعلم الكتابة بقدر ما وُلدتُ بها.
ثم مرّت سنوات من الانشغال، ابتعدت فيها عن الكتابة، لكنها لم تبتعد عني. وفي عام 2022، شعرت بأن داخلي بدأ يزهر من جديد، فعُدت إلى الحرف بكامل الشوق، وكأنني أستعيد شيئًا مني كنت قد تركته على حافة العمر.
وهكذا، بدأت أكتب مرة أخرى لا بدافع الطموح فقط، بل بدافع الحياة… لأني أدركت أنني لا أعيش حقًا إن لم أكتب.
2. طريق النجاح لا يُعبّد إلا بالعزيمة والمثابرة. كيف بدأت ملامح موهبتك الأدبية بالتشكّل، وما المحطة الأولى التي شعرت فيها بأنك تسيرين في الاتجاه الصحيح؟
الموهبة لم تكن يومًا قرارًا اتخذته، بل كانت حالة شعورية رافقتني منذ الطفولة، تظهر في كتاباتي العفوية، وتختبئ أحيانًا خلف انشغالات الحياة.
لكن المحطة التي أيقظتني فعليًا كانت في عام 2022، حين بدأت أشارك في كتب جماعية إلكترونية، وانضممت إلى كيانات أدبية محفّزة، أبرزها “همسات أدبية”، والتي أعتبرها عائلتي الثانية.
من خلال هذه المساحات، اكتشفت أن ما أكتبه لم يكن مجرد خواطر خاصة، بل يحمل قيمة وجدانية ومعرفية يمكن أن تُشعر الآخرين، وتصل إليهم بصدق.
شعرت حينها أن صوتي الكتابي لا يضيع في الفراغ، بل يجد صداه في القلوب.
تأكدت أنني أسير في اتجاه يستحق أن أواصل فيه، لا لأصل إلى شهرة، بل لأُؤدي رسالة نبيلة، أرجو أن تتغلغل في الأعماق وتترك فيها أثرًا طيبًا يدوم.
3. علمنا بتعاونك مع دار “واحة الأدب”. كيف تصفين هذه التجربة؟ وما انطباعك عن أول تعامل جمعك بهم؟
تعاوني مع دار واحة الأدب شكّل بالنسبة لي أول بوابة عبور حقيقية نحو عالم النشر الورقي، تم التعاقد لنشر أول قصة لي موجهة للأطفال، ستُصدر بإذن الله ضمن معرض القاهرة الدولي للكتاب 2026.
منذ البداية، شعرت أنني أتعامل مع فريق يحتضن الكلمة الصادقة ويؤمن بالرسائل الهادفة التي تحملها الكتابة، لا سيما في أدب الطفل.
الدار تميزت بلُطفها، ومهنيتها، واحترافيتها العالية، مما جعل تجربتي الأولى رغم رهبتها، تجربة مليئة بالثقة والتحفيز.
قد تكون هذه خطوتي الأولى في النشر الورقي، لكنها تحمل بداخلي وعدًا بمسار طويل أطمح أن يكون نقيًّا، ومثمرًا، وأمينًا لجوهر الكلمة.
4. هل يمكن أن تُحدثينا عن أبرز إنجازاتك الأدبية السابقة؟ وأيّها الأقرب إلى قلبك، ولماذا؟
رغم أنني لم أنشر ورقيًا بعد، فقد شاركت في مشاريع كتابة تطوعية، ونشرت عدة نصوص بأسلوبي على المنصات الإلكترونية، حيث كانت تجربتي هناك فرصة لصقل صوتي الكتابي، وتبادل التجربة مع قراء متنوعين.
أما الإنجاز الأقرب إلى قلبي، فلا يرتبط بنص واحد، بل بكل لحظة شعرت فيها أن كتاباتي تصل إلى قارئ.
كل رسالة تصلني من طفل أو بالغ يقول لي: “كلماتك تُشبهني” هي بالنسبة لي نجاح لا يُقاس بعدد الصفحات أو الجوائز، بل بصدق الأثر الذي تتركه الكلمة في قلب من يقرأها.
هذا الشعور يجعل كل ما كتبته سابقًا، وكل كلمة أكتبها لاحقًا، جزءًا من رسالة أكبر نحو القلوب، وليس فقط نحو الورق.
5. ما هو مشروعك الأدبي القادم؟ ومن أين استلهمت فكرته؟ وهل انتهيت من كتابته أم ما زال قيد الإنجاز؟
مشروعي الأدبي القادم يمضي بي نحو عالم الرواية، حيث أطمح لخوض هذه التجربة لأوّل مرة، بعيدًا عن عزلتي في النصوص التأملية، وخطواتي الأولى في قصص الأطفال والكتب النفسية.
لطالما كتبت من الداخل… خواطر وجدانية، ومقالات تُشبهني، لكنني الآن أستعد للكتابة من الخارج إلى الداخل، لأبني عالمًا يحملني ويحمل القارئ، ويمنحني لقب “روائية” لا من باب المجد، بل من باب الاكتمال.
الفكرة وُلدت من حاجة داخليّة للغوص في الرموز، وصناعة حبكة تمزج الواقع بالدهشة، فالرواية ليست سردًا فقط، بل بناء متكامل للمعنى.
المخطط العام للرواية قيد التكوين، وبعض الفصول كتبتها كأنها تشقّ طريقها وحدها.
أؤمن أن هذا المشروع هو نقطة تحوّل في مسيرتي، لا لأنّه الأضخم، بل لأنه الأصدق من حيث العمق والمواجهة.
6. ما توقعاتك لردود الفعل حول هذا العمل عند صدوره في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2026؟ وهل يحمل رسالة معينة تسعى لإيصالها من خلاله؟
لا أنتظر التصفيق، بل أتمنّى أن يصل العمل إلى القلوب بلُطف وصدق، كما خرج مني. كتبته بنيّة طيّبة، وبقلبٍ يؤمن أن الكلمة الطفولية قد تكون بذرة وعي تدوم طويلاً.
رسالتي من خلال هذه القصة أن نعيد للطفل العربي القيم التي أوشكت على الذبول: الصدق، الرحمة، النقاء الداخلي… تلك المبادئ البسيطة التي تصنع إنسانًا سويًّا، وتؤسس لمجتمع نقيّ من الداخل.
القصة لا تعلّق لافتة تعليمية على بابها، لكنها تهمس في الوجدان، وتزرع في العقل الصغير فكرة تستقر وتُزهر بهدوء.
ولذا، فإن ما يهمني فعلًا ليس الضجيج حول العمل، بل أثره العميق في الجانب المعنوي لكل قارئ صغير… أن تترك الكلمات ظلًا جميلاً لا يُمحى بسهولة، فهذا عندي أعظم من أي إشادة.
7. كيف تتعاملين مع النقد؟ وماذا يعني لك رأي النقّاد في أعمالك؟
أتعامل مع النقد ككاتبة تحترم طريقها وتسعى لتطوره، لذلك أرحّب به ما دام نابعًا من نية صادقة، تهدف للتقويم لا للتهديم.
رأي النقّاد بالنسبة لي أشبه بـ”المرآة الخارجية” التي ترى ما قد تعجز عين الكاتب عن ملاحظته في زوايا نصّه.
أؤمن أن كل تعليق صادق هو حجر في بناء وعيي الأدبي، وأُبرمج نفسي دائمًا على التقبّل الواعي والهادئ، فأقول في داخلي:
“ريان، كوني صبورة. لا شيء يضرك إن كان النقد نافعًا، فحتى الرياح القوية تهذّب شكل الشجرة.”
أنا من الشخصيات المتصالحة مع النصيحة، وأؤمن بأن عين الآخر قد تقودني إلى مسار جديد كليًا في عالم الكتابة، مسار لم أكن لأراه لولا انعكاسه على عينه.
وهكذا، أظل أكتب بعينٍ منفتحة وقلبٍ مرن، لأن الكتابة الحقيقية تبدأ حين نتعلم كيف نُنصت لما وراء الكلمات.
8. لكل كاتب طقوسه الخاصة التي يستحضر من خلالها الإلهام. هل تودّين مشاركتنا بطقوسك أثناء كتابة عملك القادم؟
طقوسي في الكتابة هادئة… لكنها مقدّسة.
أميل إلى لحظات الصباح الأولى، أو ساعات الغروب، حين يصبح العالم أقلّ ضجيجًا، ويعلو صوت الداخل.
لكن الصدق؟ الإلهام لا يُؤمن بمواعيد، كثيرًا ما يزورني فجأة، وأنا في أماكن عامة أو في قلب انشغالاتي، فأفتح هاتفي أو دفتري الصغير، وأكتب بلا ترتيب، فقط لأنني لا أستطيع أن أتجاهل نداءه.
في تلك اللحظات، أكتفي بفنجان دافئ، ومساحة من العزلة، وأدع الأفكار تنساب دون مقاومة، كأنني أُصغي لصوت لا يسمعه غيري.
أما حين أكتب للأطفال، فالأمر مختلف تمامًا… أستحضر الطفلة التي كنتها، والتي لم تغادرني يومًا، وأكتب وكأنني أهمس في أذنها الصغيرة، أحكي لها حكاية، أو أعيد لها بهاء فكرة، أو أرمم بها عالمًا داخلها كاد أن يتشوه.
9. يُقال إن الكاتب قارئ قبل أن يكون كاتبًا. من هم الكتّاب الذين تقرئين لهم؟ وهل هناك شخصية أدبية تعتبرينها قدوة لك؟
أؤمن أن القراءة هي المنجم الحقيقي للتعبير، وأن الكاتب لا يكتب من فراغ، بل من أرواح الكتب التي مرّت به، ومن ظلال الجمل التي استقرّت في ذاكرته دون أن يدري.
لهذا، أنا قارئة فضولية جدًا وموسوعية ، أُطالع ما يُحرك فيّ العقل والقلب معًا، دون أن أقيّد نفسي بنوع أدبي واحد.
أميل كثيرًا إلى كتابات الدكتور إبراهيم السكران، لما فيها من عمق وهدوء ورؤية فكرية راقية. كما أحب أدب غسان كنفاني والرافعي، لما يحملانه من حرارة التجربة ونقاء البيان.
ولا أخفي إعجابي الكبير بأسلوب أحلام مستغانمي، فكتاباتها تمس أوتار الروح ببراعة لغوية آسرة.
ومع ذلك، لم أصنع لنفسي قدوة أدبية واحدة، لأنني لا أبحث عن صورة أُقلّدها، بل عن صدقٍ أستلهمه.
قدوتي الأدبية هي كل من يكتب بإخلاص، كل من يضع روحه في كلماته، ويؤمن أن الكلمة رسالة قبل أن تكون وسيلة… وأن الكتابة شكل من أشكال الوفاء للحقائق التي لا تُقال بسهولة.
10. هل هناك مقولة تؤمن بها وتستند إليها في حياتك الأدبية أو الشخصية؟
نعم، هناك جملة أؤمن بها بعمق، وأحملها في داخلي كلما أمسكت بالقلم:
“الكاتب لا يُولد من حبرٍ فقط، بل من وجعٍ ذاقه، وفرحٍ عايشه، وأثرٍ أراد أن يتركه.”
فالكتابة بالنسبة لي ليست وسيلة لإثبات الذات، ولا جسرًا نحو الشهرة، بل هي حالة وجودية، أكتب كي أتنفس، كي أُفهم، لا كي أُعرف.
دائمًا ما أردد مع نفسي:
“ريان، اكتبي لتُعبّري، لا لتُبرزي. اكتبي لأنك لا تستطيعين ألّا تكتبي.”
لهذا، تبقى الكلمة عندي شكلًا من أشكال الطمأنينة، ومتنفّسًا أختبئ فيه من ضجيج العالم، وأُعيد فيه ترتيب فوضاي بلُغةٍ لا يراها إلا من يشعر بها.
11. وفي ختام هذا الحوار، كيف وجدتِ الأسئلة؟ وهل كان اللقاء مُلهِمًا بالنسبة لك؟
الأسئلة كانت دافئة وعميقة بصدق، شعرتُ معها أنني لا أجيب، بل أُراجع ملامح رحلتي الأدبية، وأتأمل الخطوات التي مشيتها بقلب ممتن.
هي أسئلة أضاءت لي زوايا لم أكن ألتفت إليها من قبل، وذكّرتني بأن ما أكتبه ليس مجرد كلمات، بل أثرٌ يتكوّن عبر التجربة، الصبر، والنية الصافية.
أشكر هذا اللقاء لأنه منحني فرصة للبوح، لا للحديث فقط.
وكم هو جميل حين تتحول الكتابة من مجرد حروف على الورق إلى نبضٍ يُسمع.. ويُشعر.
هذا النوع من اللقاءات لا يمرّ عابرًا، بل يبقى كشاهد صغير على بداية طريقٍ أكبر.. وأصدق.
انتهي اليوم حوارنا داخل سطور الرجوة، مع الكاتبة المتميزة ريان نور، ونتمنى لها التوفيق في القادم.