...
IMG 20251026 WA0111

 

الكاتبة: كوثر العوني  

 

وأنا جالسة في قاعة الانتظار للدخول عند الطبيب لتفقد تقريري الطبي، وأنا أتأمل سقف المستشفى الهَرِئ، الباهت لونه، المائل إلى صفرةٍ قليلة، إذ بي أرى وجهًا شاحبًا لامرأة كبيرة في السن، جالسة على الكرسي أمامي. تأملتُ وجهها المجعد وعينيها الخضراوين، وبدأتُ أتخيل نفسي عندما أصبح في سنٍّ متقدمة، وشعرتُ أيضًا بضجر، وأردتُ الخروج بسرعة من هذا المستشفى، رغم أن أمي كانت معي.

 

عند مجيء دوري، دخلنا عند الدكتور، وأخذ التقرير فبدأ بقراءته، وكل مرة يتجه بنظره نحوي. وبعد تفكير طويل ونظرات متبادلة، تنهد قائلًا: “أنتِ مريضة بسرطان.”

 

حاولتُ ألا أُبدي أي شعور، لكني لم أحزن ولم أفرح، كان شعورًا غريبًا، مثل حب التجربة. فبدأ سؤال يدور في ذهني: من سيفوز؟ أنا أم المرض؟

 

مرت الأيام، وبدأتُ في العلاج الكيماوي. كل مرة ألتقي بأشخاص شتى، بجميع الأمراض، كنتُ أشعر بشفقة تجاههم، وتجاه أمي التي كانت كل ما تريده أن تراني سعيدة، لكن القدر يعارض أمنيتها. كلما أرى في عينيها ابتسامة، أقول: لا تستسلمي، رغم أنها لم تكن تخبرني عن مشاعرها، لكني كنتُ أجيد قراءتها. لأنك كلما أحببتَ شخصًا، يمكنك أن تميز حتى دقات قلبه.

 

لكني للأسف لم أستطع قراءة مشاعري. ساد الحزن والغم قلبي، لكنها، هل كانت تشعر بما في قلبي؟

 

مرت تلك الأيام العصيبة، وأنا أنتظر ذلك اليوم الذي سوف يحدد مصير حياتي: موعد إجراء العملية. تم تخديري، لكني شعرتُ بألم غريب، وفجأةً، همس صوت في أذني يقول: “أشتاق إليكِ.”

 

استيقظتُ، والعرق يصب على وجهي، لم أستطع فتح عينيّ في البداية، وبعدها حاولتُ وفتحتُ عينيّ، لأجد أبي يبكي ويعانقني بحرقة. كان شعورًا لا يوصف، شعرتُ بالحنين لأول مرة، شعرتُ بالحب المنبعث من أبي، شعرتُ بذلك العناق، فقشعر جسمي.

 

وبعدها استدرتُ لأجد أخي وأمي يبكيان بأنين خفيف، وأفراد عائلتي يحاولون مواساتهما. حاولتُ أن أسأل، لكني سألتُ ولم يجبني أحد. لكني شعرتُ بعجب كبير حين رأيتُ أخي يبكي. حينها علمتُ أني خسرتُ الحرب، لكني فزتُ بحب عائلتي.

 

شعرتُ بالغضب والحب معًا. أخي الذي طالما كان يذلني ويشتمني طوال الوقت، لم أرَ يومًا ذلك الشعور بالأخوة بيننا. لأول مرة، كل ما كنتُ أراه مخالفًا. لم أفهم، لكني فهمتُ بعدها أن الحب يظهر إليّ بعد مماتي.

 

رأيتُ كل من خانني يبكي، من أصدقاء، يا ليتهم كانوا قادرين على سماعي، لأقول لهم: ليس بحبك لي بمنفعة، ما عدا ترابي، إنه سيفٌ خَرَسَ قلبي، فلا داعي لدموعٍ بلا رجاء.

 

إنها ليست قصة، ويُعقل أن تكون قصة أحدكم.

Loading

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *