...
Img 20251014 wa0106

 

إعداد: الطاهر عبد المحسن إبراهيم

 

في عالمٍ تتعدّد فيه الأصوات وتتنوّع فيه الأقلام، يظلّ هناك من يكتب لأنّ الكتابة بالنسبة له نبض حياة ورسالة صدق.
اليوم نلتقي مع أحد تلك الأقلام التي اختارت أن تجعل من الحرف جسرًا نحو الوعي والجمال، الكاتب الشاب أحمد فارس، الذي آمن بأن الكلمة قادرة على أن تغيّر الواقع، ولو بخطوة صغيرة.
في هذا الحوار الشيق، نقترب من عالمه الأدبي، ونستمع إلى تجربته ورؤيته للكتابة والخيال والإنسان والمجتمع.

*بداية المشوار الأدبي*

بدايةً، نرحّب بك أستاذ أحمد فارس، ونودّ أن تعرّف القرّاء بنفسك وبأبرز المحطات التي شكّلت مسيرتك الأدبية.

أحمد فارس: بدايةً، يسعدني جدًا أن أكون معكم اليوم، وأشكر القائمين على هذا الحوار على الدعوة الكريمة. أتمنى أن يكون اللقاء مفيدًا وممتعًا للجميع.

أنا أحمد فارس، كاتب شاب أؤمن بأن الكلمة يمكن أن تغيّر الواقع ولو بخطوة صغيرة. بدأت رحلتي مع الكتابة في سن مبكرة، كنت أرى نفسي دائمًا صاحب خيال واسع، وبعد موقفٍ شخصيّ ترك أثرًا فيّ، قررت أن أكتب — لأحوّل ما شعرت به إلى حروف قد تلامس الآخرين وتحولت الكتابة إلى شغف لا ينطفئ.
مررت بمحطات كثيرة من المقالات الأولى إلى القصص القصيرة وصولاً إلى العمل على مشاريع روائية أسعى أن تكون مرآةً لما نعيشه ونحلم به.

*ميلاد الفكرة*

سؤال: كيف تصف اللحظة التي تولد فيها الفكرة داخل عقلك قبل أن تتحوّل إلى نص؟

هي اللحظة المثالية في حياتي.
كل فكرة تولد من حدث بسيط، لكنّي أؤمن أنها قد تكون قادرة على تغيير مجتمعٍ بأكمله.
الكتابة بالنسبة لي ليست مجرد فعلٍ إبداعي، بل استجابة لنداءٍ داخلي يقول: “اكتب، فربما تغيّر شيئًا.”، وقتها أترك القلم يقودني ولا أفكر كثيرًا في الاتجاه.

*منابع الإلهام*

من أين تستمدّ إلهامك حين تشعر بجفاف الكتابة؟

ألجأ إلى الحياة ذاتها، إلى الشارع والناس.
أشاهد فيديوهات علمية أو أدبية على «يوتيوب» لأتعرّف على كل جديد يمكن أن يتحول إلى فكرة تستحق أن تكون قصة.
الإلهام عندي لا يأتي من الخيال وحده، بل من مراقبة الواقع بعين مختلفة.

*القارئ شريك النص*

ما الذي يعنيه لك القارئ وسط هذا الزخم من الأصوات والمنصّات؟

القارئ هو الشريك والصديق الحقيقي في أي نص.
أنا لا أكتب لأُعجب أحدًا، لكنّي أكتب لأجد من يقرأ فيسأل نفسه: هل شعرتُ بهذا من قبل؟
القارئ ليس جمهورًا مجهولًا بالنسبة لي، بل شخص واحد أتصوره دائمًا يجلس بصمتٍ ويقرأ كأنه يقرأ نفسه بين السطور.

*الكاتب بين الواقع والخيال*

في رأيك، هل الكاتب ابن بيئته أم ابن خياله؟

هو ابن الاثنين معًا.
البيئة تمنحه المادة الأولى، والخيال يصوغ منها عالمه الخاص.
الكاتب الحقيقي هو من يعرف كيف يلتقط من الواقع شرارته الأولى، ثم يوسّعها بخياله حتى تصير عالمًا يمكن للقارئ أن يعيش فيه.

*مسؤولية الكلمة*

كيف ترى مسؤولية الكاتب تجاه المجتمع والقضايا الإنسانية؟

امسؤوليته أن يكون صادقًا، وأن يتحلى بضميرٍ حيّ يجعل كلماته شاهدةً على زمنه.
الكاتب لا يغيّر العالم بشعارات، بل بصدق كلمته.

*صعوبة الاستمرار*

سؤال: ما الأصعب في تجربة الكتابة: البداية أم الاستمرار؟

الاستمرار بلا شك.
فالبداية حماس، أما الاستمرار فيحتاج إلى صبرٍ وثقةٍ وقدرة على مواجهة لحظات الشكّ التي تهاجم أي كاتب.
كل نص جديد هو امتحانٌ جديد، بلا ضمانات ولا استثناءات.

*الكتابة بين الذات والآخر*

هل تكتب من أجل نفسك أم من أجل الآخرين؟

كلاهما معًا.
أكتب لنفسي أولاً، لأفهم وأرتّب ما بداخلي، لكنّي لا أنكر أني أفرح حين يجد أحدهم نفسه في كلماتي.
الكتابة بالنسبة لي محاولة لترتيب الفوضى الداخلية، وعندما تصل تلك الفوضى إلى قارئٍ آخر ويجد فيها معنى، أشعر أني لم أكتب عبثًا.

*التجربة الشخصية في النص* الأدبي

ما الدور الذي تلعبه التجربة الشخصية في صياغة نصوصك؟

كل ما أكتبه يمرّ من خلال تجربتي، حتى لو لم يكن سيرةً ذاتية.
التجربة تمنح النص صدقه ودفأه.
الكاتب لا يستطيع أن يكتب عن الألم إن لم يذقه، ولا عن الأمل إن لم يختبره.
وأؤمن أن ما يخرج من القلب يصل دائمًا إلى القلب.

*الأدب العربي في العصر الرقمي*

كيف تنظر إلى الأدب العربي اليوم في ظل الانفتاح الرقمي؟

ألاحظ أن كثيرًا من الكتّاب يتجهون اليوم إلى الرومانسية والرعب، مما جعل الأدب الرمزي والديستوبي نادرًا، وهذا أفقد المشهد بعض التنوع.
أما الانفتاح الرقمي فقد منح الأدب فرصة الوصول، لكنه في المقابل جعله أكثر هشاشة في بعض الأحيان.
ورغم ذلك، أؤمن أن الأدب الحقيقي لا يخاف الزمن ولا تغيّر الوسائط، لأنه ما دام صادقًا وإنسانيًا، فإنه يبقى.

*الكتّاب الذين تركوا الأثر*

ما الكتاب أو الكاتب الذي غيّر نظرتك إلى الكتابة؟

الكاتب: بالطبع، أحمد خالد توفيق هو الأبرز بالنسبة لي، وخصوصًا في ممر الفئران ويوتوبيا، فقد تعلّمت منه أن الحديث عن المجتمع لا بد أن يحمل هدفًا ورسالة حقيقية للقارئ.
وأيضًا تأثّرت بصنع الله إبراهيم في رواية اللجنة، لما تحمله من عمقٍ ورمزية قوية.

*مجلة الرجوة ودعم المواهب*

سؤال: أخيرًا، كيف ترى مجلة الرجوة ودورها في دعم الكتّاب والأقلام العربية؟

مجلة الرجوة تقدّم مساحة نادرة للكتّاب الشباب، وتتعامل مع الكلمة بوصفها قيمة لا سلعة.
أقدّر كل منبرٍ يفتح أبوابه للموهبة الصادقة بعيدًا عن الأسماء اللامعة فقط.
وجودها يعني أن الحرف ما زال يجد مكانًا ينمو فيه بحرية.

وختامًا، يؤمن الكاتب أحمد فارس أن الحوار والتواصل هما بداية كل تغيير إيجابي، وأن الكتابة هي الوسيلة لأن يبقى الاسم مذكورًا حتى بعد النهاية.
او كما قال
*أسعى لأن يُذكرني الناس بالخير، لا بكثرة ما كتبت، بل بما تركته كلماتي من أثرٍ جميل*

Loading

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *